وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها، إذا اشتهى أهله اللحم، أو نزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشاء، على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم، فيقسمه بينهم ويأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله (ص)، ما قال. ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وأشيائهم، وتؤثرون به غيرهم على أنفسهم وعيالاتهم. أخبروني عن القضاة، أجور منهم حيث يفرضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال: أنا زاهد وأنه لا شئ لي؟ فإن قلتم جور ظلمتم أهل الإسلام، وإن قلتم بل عدل خصمتم أنفسكم.
أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم، فعلى من كان يتصدق بكفارات الأيمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة؟ إذا كان الأمر على ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا إلا قدمه وإن كان به خصاصة. فبئس ما ذهبتم إليه، وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله وسنة نبيه وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل! أو ردكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي. وأخبروني، أنتم أعلم أم سليمان بن داود، عليهما السلام حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده: فأعطاه الله ذلك، وكان يقول الحق ويعمل به ثم لم نجد الله عاب ذلك عليه ولا أحدا من المؤمنين، وداود قبله في ملكه وشدة سلطانه. ثم يوسف النبي حيث قال لملك مصر: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم! فكان من أمره الذي كان واختار مملكة الملك وما حولها إلى