ولمعجب حقا أن الإمام من القائلين بوجود العقل فطرة. وإذن، فكل ما يحد من نشاط هذا العقل أو يقضي عليه، هو محاربة صريحة لفطرة الله التي خلق الناس عليها. وها هو القرآن الكريم نفسه يشير إلى هذه الظاهرة في معرض البرهنة على وجود الله فيقول: " أفي الله شك فاطر السماوات والأرض؟ " فكأن القرآن هنا إنما يعتبر الشك في وجود الله، شكا في فطرة الناس، في جوهر العقل الذي غرسته العناية الإلهية وطالبتنا بتنميته ورعايته.
وهكذا يتبين لنا بعد هذه المقدمات أن الصدق العلمي والمنهج العقلي في تمحيص الحقائق هما القاعدتان اللتان انطلق منهما الإمام لإنشاء مدرسته العلمية، ومجابهة المشكلات التي تعترضه. بالحلول التي يستوجبها من هاتين القاعدتين.
وبفضل هاتين القاعدتين ننعم نحن اليوم بتراث حضاري، هو من تراث الإنسانية في مركز الصدارة. ولا يزال تراثنا هذا، قادرا على تزويدنا بأسس نهضة جديدة، ومعاودة نشاطنا السابق في الاسهام بخدمة قضايا البشر والتعرف إلى حقائق الطبيعة والإنسان.
أما الفروع العلمية والفكرية التي شارك فيها الإمام فهي تلك التي عرفها عصره وتميزت بها حضارة الإسلام في أواخر القرن الأول وأواسط القرن الثاني من الهجرة. وهي:
الحكمة - علم الكلام - علم الطبيعيات والكيمياء - علم اللغة والنحو والصرف - علم الحديث - علم الفقه - علم الأصول الخ...