في آخرتك، وعليك بالصمت تكن حليما، جاهلا كنت أو عالما، فإن الصمت زين لك عند العلماء، وستر لك عند الجهال.
يا ابن جندب، إن عيسى بن مريم صلى الله عليه قال لأصحابه:
أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته، أكان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها؟ قالوا: بل يرد عليها قال: كلا بل تكشفون عنها كلها. فعرف أنه مثل ضربه لهم، فقيل: يا روح الله وكيف ذلك؟ قال: الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها، بحق أقول لكم: إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة!
طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه! لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبكم كهيئة العبد. إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية.
يا ابن جندب، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء إليك، وسلم على من سبك، وانصف من خاصمك، واعف عمن ظلمك كما تحب أن يعفى عنك، فاعتبر يعفو الله عنك. ألا ترى أن شمسه تشرق على الأبرار والفجار، وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين؟
يا ابن جندب، لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية.