في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد، وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم. يا ابن جندب، بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب! فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس! يا ابن جندب، إن أحببت أن تجاور الجليل في داره فلتهن عليك الدنيا، واجعل الموت نصيب عينيك، ولا تدخر شيئا لغد، واعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت. يا ابن جندب، من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه، ومن يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته، ويحفظ له ما غاب عنه، وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا، ولكل نعمة شكرا، ولكل عسر يسرا. صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية، فإنما يقبض عاريته ويأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك، وارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته، وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته، وأقنع بما قسم الله لك، ولا تتمن ما لست تناله، ولا تكن بطرا في الغنى، ولا جزعا في الفقر، ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك، ولا تكن واهيا يحقرك من عرفك، ولا تشار من فوقك، ولا تسخر بمن هو دونك، ولا تطع السفهاء، ولا تتكلن على كفاية أحد. وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه، قبل أن تقع فيه فتندم، واجعل نفسك عدوا تجاهده وعارية تردها، فإنك قد جعلت طبيب نفسك، وعرفت آية الصحة، وبان لك الداء، ودللت على الدواء وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن والذكر لها ولكن أتبعها بأفضل منها، فأن ذلك أجمل بك في أخلاقك، وأوجب للثواب
(١٤٨)