وروى أيضا بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: " المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف " (1).
وأجاد العلامة المازندراني في شرح معنى الخوف الذي ورد في هذه الروايات الشريفة حيث قال:
(الخوف حالة نفسانية موجبة لتألمها بسبب توقع مكروه سببه ممكن الوقوع أو توقع فوات أمر مرغوب فيه، ولو كان وقوع سببه معلوما، أو مظنونا ظنا غالبا يسمى ذلك انتظار المكروه أيضا كما يسمى خوفا، والتألم فيه أزيد.
وأما الخوف والتألم بسبب توقع مكروه علم قطعا عدم وقوع شئ من أسبابه فذلك وسواس وماليخوليا...
وسبب الخوف من الله معرفته، ومعرفة جلاله، وعظمته، وكبريائه، وغنائه عن الخلق، وغضبه، وقهره، وكمال قدرته على الخلق، وعدم مبالاته بتعذيبهم واهلاكهم، ومعرفة عيوب نفسه، وتقصيره في الطاعات والأخلاق، والآداب مع التفكر في أمر الآخرة وشدائدها.
وكلما زادت تلك المعارف زاد الخوف وثمرته في القلب والبدن والجوارح، إذ بالخوف يميل القلب إلى ترك الشهوات، والندامة على الزلات، والعزم على الخيرات، ويخضع ويراقب، ويحاسب، وينظر إلى عاقبة الأمور، ويحترز من الرذائل كالكبر والحسد والبخل، ويذبل البدن، ويصفر اللون من الغم والسهر، وتشتغل الجوارح بوظائفه ويحصل له بترك الشهوات العفة والزهد، وبترك المحرمات التقوى، وبترك ما لا يعني الورع والصدق والاخلاص، ودوام الذكر والفكر، ويترقى منها إلى مقام المحبة، ثم منه إلى مقام الرضا...) (2).