غاية تجوهر نفوسهم ووصولها إلى الغاية القصوى بلقاء الله تعالى.
فان للسالك غايتان أقربهما غاية تجوهر النفس بقطعها وطيها المراحل الأولى التي هي مقدمة الغاية القصوى، ولا يمكنه أن يحصل الغاية القصوى إلا بعد حصوله على الغاية الأولى والغاية القصوى هي لقاء الله تعالى.
بينما الغاية الأولى هي لقاء أعماله وما كسبته يداه وتتم بالموت والمعاد، قال عز وجل: * (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) * (1) وصار الموت والقبر وما بعده والمعاد غاية أولى، لأن الانسان سوف يبعث كما مات لما روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال: " كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تبعثون "، وفي الخبر عنه (صلى الله عليه وآله): " يبعث كل عبد على ما مات عليه " وفي الخبر الآخر عنه (صلى الله عليه وآله): " يموت الرجل على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ".
وغاية السالك أن يبذل جهده لتقوم عليه قيامته وقد تحققت تمام انسانيته ليحشر يوم القيامة وهو انسان مبصر وقد ذكر أهل المعرفة انه لا يمكن للسالك أن ينال غايته القصوى بلقاء الله عز وجل إلا بعد أن تقوم عليه قيامات، وكلما تقوم عليه قيامة من قياماته في الأولى (2) فقد تمت له حركة من حركاته السلوكية - وذلك إذا أمكنه أن يحافظ على مقامها أو يرتقي إلى الأعلى منها إلى حين تقوم عليه قيامته بموته الطبيعي - وانقضى عنه مقام من مقامات القرب، وإذا لم يتمكن السالك من طي تلك المقامات فإنه سوف يطويها - إن وفقه الحق تعالى وكان ذلك العبد محسوبا عنده تبارك وتعالى من السالكين - في الآخرة ولكنه سوف يطويها بالقهر والقوة والغلبة، بينما طويه لها في الأولى - لو وفق لها بلطفه تعالى وتوفيقه العبد للمجاهدات وقطع فيافي السلوك - سوف تكون على نحو آخر وقد يكون التوفيق الإلهي نصيبه بأنه يطويها أو يطوي بعضها وهي خامدة باختلاف أحوال