ابن سعد قال لأصحابه: " خذوه وآتوني به " فلما علم طلبهم جعل يلطمهم برجله ويكدم بفمه حتى قتل منهم خلقا كثيرا. وطرح فرسانا عن ظهر خيولهم، فصاح عمر وقال: " ويلكم تباعدوا عنه " ثم جعل يقبل البدن المبارك المكرم، ويمرغ ناصيته بالدم المطهر المعطر، ويصهل صهيلا عاليا، وتوجه إلى الخيمة، وقالت أم كلثوم: (يا سكينة إني سمعت صهيل فرس أبيك، أظن قد أتانا بالماء، فاخرجي إليه " فخرجت سكينة فرأته خاليا من راكبه، فهتكت خمارها، وصاحت: (وا قتيلاه وا محمداه وا علياه وا أبتاه وا حسيناه وا فاطماه وا حمزتاه وا جعفراه وا عقيلاه وا عباساه " وهي تنشد وتقول:
مات الامام ومات الجود والكرم * واغبرت الأرض والآفاق والحرم وأغلق الله أبواب السماء فلم * تر لنا دعوة تجلا بها الغمم يا عمتي انظري هذا الجواد أتى * يخبرك أن ابن خير الخلق مخترم غاب الحسين فوا لهفي لمصرعه * فصار يعلو ضياء الأمة الظلم يا موت هل من فدى يا موت هل عوض * الله ربي من الكفار ينتقم يا أمة السوء لا سقيا لربعكم * يا أمة أعجبت من فعلها الأمم فسمعت زينب شعر سكينة (رضي الله عنهما) وقالت: " وا أخاه وا حسيناه وا غريباه، نفسي لك الفدا، وروحي لك الوقا " وبكت وهي تقول:
مصيبتي فوق أن أرثي بأشعاري * وإن يحيط بها وهمي وأفكاري جاء الجواد فلا أهلا بمقدمه * إلا بوجه حسين مدرك الثار يا نفس صبرا على الدنيا ومحنتها * هذا الحسين قتيلا بالثرى عاري وبكت الحريم وقلن: " وا محمداه وا علياه وا حمزتاه وا جعفراه وا حسناه وا حسيناه، اليوم والله مات محمد المصطفى، وعلي المرتضى، والحسن المجتبى، وفاطمة الزهراء).