قال ابن أبي الحديد: فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره - يعني أمير المؤمنين عليه السلام -، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة، أو يرفع له ذكرا، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، كالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة، أدركته عيون كثيرة.
فبرغم خوف المحب واستضراء العدو وفقدان وسائل الاعلام، بل عملها الدؤوب ضد أهل البيت وصلنا هذا الكم الهائل وبهذه الكيفية الرائعة.
رابعا - كانت مناقب أهل البيت عبارة عن تسجيل للسيرة الذاتية لهم، بمعنى:
أ - ان حياتهم كلها كانت منقبة وفضيلة، فما تجد لهم زللا ولا خطلا، بل كل ما تجده خير وعطاء.
ب - ان الشهادات والأوسمة الممنوحة لهم بكثرة تختلف اختلافا نوعيا عن غيرهم، حيث كانت عبارة عن لوائح تعريف بالآل، وكشف ستار عنهم، ليعرفهم الناس ويتمسكوا بهم. كما في حديث " خاصف النعل " وما ورد في بيان قوله تعالى:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون..)، وغيرها على منوالها كثير، من قبيل:... " هذا على خليفتي "، " هذا علي وصيي "، " علي مني وأنا منه "، " هذان ابناي... ريحانتاي... الحسن والحسين سبطان من الأسباط... إمامان... " الخ.
ومن هنا كانوا عليهم السلام يتحدثون عن أنفسهم لعل الناس يدركون شيئا من حقيقتهم، كما في خطبة أمير المؤمنين القاصعة وحديث الإمام الباقر عليه السلام " نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة " يأمن من ركبها... ".