ابن القيم: (أنكر عليهم سبحانه وتعالى مكابرتهم وجحدهم له على ما رآه مما ينكر على الجاهل مكابرته لعالم، ومماراته له على ما علمه).
اللباب: (قرأ الاخوان: (أفترمونه) بفتح التاء وسكون الميم، والباقون (تمارونه)، وعبد الله بن مسعود والشعبي: (أفتمرونه) بضم التاء وسكون الميم. فأما الأولى ففيها وجهان: أحدهما: أنه من مريته حقه إذا غلبته عليه وجحدته إياه، وعدي بعلى لتضمنه معنى الغلبة، وأنشدوا:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة * لقد مريت أخا ما كان يمريكا لأنه إذا جحده حقه فقد غلبه عليه. قال المبرد،: يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه. قال ومثل (على) بمعنى (عن) قول بني كعب بن ربيعة رضي الله عليك أي رضي عنك).
ابن القيم: (علي بابها ليست بمعنى (عن) كما قاله المبرد، بل الفعل متضمن معنى المكابرة، وهذا في قراءة الألف أظهر.
الثاني: أنه من مراه كذا على كذا أي غلبه فهو من المراء وهو الجدال). وأما الثانية: فهي من ماراه يماريه، جادله واشتقاقه من مري الناقة، لان كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه. وكان من حقه أن يتعدى بفي كقولك: جادله في كذا. وإنما ضمن الغلبة فعدي تعديتها. وأما قراءة عبد الله فمن (ما رآه) رباعيا، والمعنى: (أفتجادلونه)، أي كيف تجادلونه على ما يرى مع أنه رأى ما رأى عين اليقين؟ ولا شك بعد الرؤية.
القرطبي: (والمعنيان متداخلان لان مجادلتهم جحود، وقيل: إن الجحود كان دائما منهم وهذا جدال جديد).
ابن القيم: (القوم جمعوا بين الجدال والدفع في الانكار، فكان جدالهم جدال جحود ودفع له جدال استرشاد وتبيين للحق. وإثبات الألف يدل على المجادلة، والاتيان بعلى يدل على المكابرة، فكانت قراءة الألف متضمنة للمعنيين جميعا، وذلك أنهم جادلوا حين أسري به، فقالوا صف لنا بيت المقدس، وأخبرنا عن عيرنا في الطريق، وغير ذلك مما جادلوه به.
والمعنى: أفتجادلونه جدالا ترمون به دفعه عما رآه وعلمه وتيقنه؟ فإن قيل: هلا قيل: أفتمارونه على ما رأى؟ بصيغة الماضي، لانهم إنما جادلوه حين أسري به كما تقدم، وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع؟ فالجواب أن التقدير: أفتمارونه على ما يرى؟ فكيف وهو قد رآه في المساء، فماذا تقولون فيه)؟.
السابع عشر: في الكلام على قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى). [النجم: 13].