وليس كمن رأى شيئا على خلاف ما هو به، فكذب فؤاده بصره، بل ما رآه ببصره صدقه الفؤاد وعلم أنه كذلك. يقال كذبته عينه وكذبه قلبه وكذبه جسده إذا أخلف ما ظنه وحدسه. قال الشاعر:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا (1)؟
أي أرتك ما لا حقيقة له. فنفى الله تعالى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن فؤاده لم يكذب ما رآه).
الماوردي: (في الفؤاد قولان: أحدهما: أنه أراد صاحب الفؤاد، فعبر عنه بالفؤاد، لأنه قطب الجسد وبه قوام الحياة. الثاني: أنه أراد نفس الفؤاد لأنه محل الاعتقاد).
اللباب: (قرأ هشام (2) وأبو جعفر (3) بتشديد الذال من (كذب)، والباقون بتخفيفهما. فأما الأولى فإن معناها أن ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم بعينه صدقه قلبه، ولم ينكر الداري (أل) لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (إلى عبده) وفي قوله (وهو بالأفق الاعلى) وقوله (ما ضل صاحبكم)، أي لم يقل إنه خيال لا حقيقة. و (ما) الثانية مفعول له موصولة، والعائد محذوف، ففاعل (رأى) ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم).
وأما قراءة التخفيف فقيل فيها كذلك. وكذب يتعدى بنفسه. وقيل هو على إسقاط الخافض أي فيما رآه، قاله مكي وغيره. قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:
لو كنت صادقة الذي حدثتني * لنجوت منجا الحارث بن هشام (4) أي في الذي حدثتني، وجوز (ما) في وجهين: أحدهما: أن تكون بمعنى (الذي)، فيكون المعنى: ما كذب الفؤاد الذي رأت بعينه، والثاني: أن تكون مصدرية.