قالت عائشة رضي الله عنها: (فكمنا في الغار ثلاث ليال وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما، وهو غلام ثقف (1) لقن، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش (بمكة كبائت)، فلا يسمع بأمر يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. وعند ابن إسحاق أن أسماء بنت أبي بكر كانت تأتيهما إذا أمست بما يصلحهما من الطعام. وكان عامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر في رعيان أهل مكة فإذا أمسى يريحهما عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما (2) (حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس)، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.
فلما مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه فركبا وانطلق معهما عارم بن فهيرة والدليل الديلي. وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه ليخدمهما في الطريق - وعند البخاري في غزوة الرجيع كان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة لامها - وأخذ بهما الدليل طريق الساحل أسفل من عسفان (3) ثم أجاز بهما حتى عادا من الطريق على أمج.
وروى أبو نعيم من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: (بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرا قال: (الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا، اللهم أعني على هول الدنيا وبوائق الدهر ومصائب الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري واخلفني في أهلي وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقومني، وإلى ربي فحببني، وإلى الناس فلا تكلني، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض فكشفت به الظلمات وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن يحل بي غضبك أو ينزل على سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عاقبتك وجميع سخطك، لك العتبى خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بك) (4).
وروى الإمام أحمد والشيخان ويعقوب بن سفيان عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن أباه قال لأبي بكر رضي الله عنه: كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: خرجنا