عامر بن لؤي - نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا (كما كانت) فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم، فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا غير هذا. فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد.
قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم. فقال الشيخ النجدي أخزاه الله، القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا أرى غيره.
وذكر ابن الكلبي أن إبليس لما حمد رأي أبي جهل لعنه الله قال:
الرأي رأيان: رأي ليس يعرفه * هاد ورأي كنصل السيف معروف يكون أوله عز ومكرمة * يوما وآخره جد وتشريف وتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له. فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، وأخبره بمكر القوم وإذن الله تعالى له بالخروج. فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: (نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الا حضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.
فلما اجتمعوا قال أبو جهل بن هشام: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن وإن أنتم لم تفعلوا كان فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها.
فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: (نعم أنا أقول ذلك وأنت أحدهم). وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذري ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم) إلى قوله تعالى: (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (يس: 1 - 9) فلم يبق منهم رجل الا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.