فشأنك بها. فدعا بها رسول الله فمسح بيده ضرعها وظهرها وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط (1) فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء - وفي لفظ الثمال - ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب صلى الله عليه وسلم آخرهم، وقال: " ساقي القوم آخرهم شربا " (2). ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها. فبايعها وارتحلوا عنها.
وروى ابن سعد وأبو نعيم عن أم معبد قالت: " بقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير ". وقال هشام بن حبيش: " أنا رأيت الشاة وإنها لتأدم أم معبد وجميع صرمتها "، أي أهل ذلك الماء.
فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيالا (3) عجافا يتساوكن هزالا مخهن قليل.
فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في البيت؟ قالت: " لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا ". قال: " صفيه لي يا أم معبد ". قالت: " رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صحل - أو قالت صهل - وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود (4) محشود لا عابس ولا مفند ". فقال أبو معبد: " هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكة ما ذكر ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ".
قالت أسماء رضي الله عنها: " لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش