الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام قال الله سبحانه وتعالى: (فاصدع) فاظهر (بما تؤمر) بالقرآن وما فيه من الأحكام.
وأصل الصدع: الشق والبينونة أو أصله الشق في الشئ الصلب كالزجاج ثم أستعير لغيرها. أي اكشف الحق وأبنه عن غيره (وأعرض عن المشركين) [الحجر 94] اكفف عنهم ولا تبال بهم والكف عنهم: نسخ بآية السيف.
وقال تعالى: (وأنذر) خوف (عشيرتك الأقربين) [الشعراء 214] وهم بنو هاشم وبنو المطلب وقد أنذرهم جهارا.
روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاء به من عند الله وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إلى الله تعالى، فدعا في أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا إلى أن أمر بظهور الدعاء.
وروى البلاذري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا أربع سنين.
وروى أيضا عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم قال: لما نزلت على النبي: (وأنذر عشيرتك الأقربين) اشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وضاق به ذرعا، فمكث شهرا أو نحوه جالسا في بيته حتى ظن عماته أنه شاك فدخلن عليه عائدات فقال: ما اشتكيت شيئا لكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فأردت جمع بني عبد المطلب لأدعوهم إلى الله تعالى قلن: فادعهم ولا تجعل عبد العزى فيهم - يعنى أبا لهب، فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه. وخرجن من عنده فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني عبد المطلب فحضروا ومعهم عدة من بني عبد مناف وجميعهم خمسة وأربعون رجلا وسارع إليه أبو لهب وهو يظن أنه يريد أن ينزع عما يكرهون إلى ما يحبون، فلما اجتمعوا قال أبو لهب: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم بما تريد ودع الصلاة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة وإن أحب من أخذك فحسبك أسرتك وبنو أبيك إن أقمت على أمرك فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش تمدها العرب، فما رأيت يا ابن أخي أحدا قط جاء بني أبيه وقومه بشر مما جئتهم به.
فأسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلم في ذلك المجلس ومكث أياما وكثر عليه كلام أبي لهب، فنزل عليه جبريل عليه السلام فأمره بإمضاء ما أمره الله به وشجعه عليه، فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانية فقال: الحمد الله أحمده وأستعينه وأو من به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعا