ما كذبتكم ولو غررت الناس ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا، وإنكم لأول من أنذر، ومثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه. فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك ومرافدتك وأقبلنا لنصحك وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم، غير أني والله أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أني لا أجد نفسي تطوع إلى فراق دين عبد المطلب حتى أموت على ما مات عليه.
وتكلم القوم كلاما لينا غير أبي لهب فإنه قال: يا بني عبد المطلب هذه والله السوءة خذوا على يديه قبل أن يأخذ على يديه غيركم فإن أسلمتموه حينئذ ذللتم وإن منعتموه قتلتم.
فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا.
وقالت صفية بنت عبد المطلب لأبي لهب: أي أخي أيحسن بك خذلان ابن أخيك وإسلامه؟ فوالله ما زال العلماء يخبرون أنه يخرج من ضئضئ عبد المطلب نبي فهو هو. فقال:
هذا والله الباطل والأماني وكلام النساء في الحجال، إذا قامت بطون قريش كلها وقامت معها العرب فما قوتنا بهم؟ فوالله ما نحن عندهم إلا إكلة رأس.
وروى الشيخان والبلاذري عن ابن عباس، والشيخان عن أبي هريرة، ومسلم عن قبيصة ابن المخارق رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * قام على الصفا فعلا أعلاها حجرا ثم نادى: يا صباحاه. فقالوا من هذا؟ وجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج يرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فاجتمعوا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا.
فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنقذ نفسك من النار فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة محمد، ويا فاطمة بنت محمد أنقذا أنفسكما من النار فإني لا أملك لكما من الله شيئا، غير أن لكما رحما سأبلها ببلالها، إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد.