الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم الفصاحة لغة البيان.
واصطلاحا: خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد.
هذا باعتبار المعنى. وأما باعتبار اللفظ فهي كونه على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور واستعمالهم له أكثر.
والفرق بينهما وبين البلاغة: أن الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم، والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط.
ففصاحة المفرد: خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس.
وفصاحة الكلام: خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد.
وبلاغته: مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته.
وفصاحة المتكلم: ملكه يقتدر بها على التعبير عن المقصود. وبلاغته: ملكة يقتدر بها على وجوه تأليف الكلام البليغ. فالبلاغة أخص مطلقا، فكل بليغ فصيح ولا عكس، والبليغ الذي يبلغ بعبارته كنه ضميره.
وقال الإمام العلامة أبو سليمان أحمد الخطابي رحمه الله تعالى: اعلم أن الله تعالى لما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع البلاغ من وحيه ونصبه منصب البيان لدينه اختار له من اللغات أعذبها ومن الألسن أفصحها وأبينها، ثم أمده بجوامع الكلم التي جعلها ردءا لنبوته وعلما لرسالته، لينتظم في القليل منها علم كثير يسهل على السامعين حفظه ولا يؤودهم حمله، ومن تتبع الجوامع من كلامه صلى الله عليه وسلم لم يعدم بيانها.
وقال الإمام أبو السعادات المبارك ابن محمد بن الأثير رحمهم الله تعالى في أول النهاية: قد عرفت أيدك الله تعالى وإيانا بلطفه وتوفيقه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا وأوضحهم بيانا وأعذبهم نطقا وأسدهم لفظا وأبينهم لهجة وأقومهم حجة وأعرفهم بمواقع الخطاب وأهداهم إلى طريق الصواب، تأييدا إلهيا ولفظا سمائيا وعناية ربانية ورعاية روحانية، حتى لقد قال له علي رضي الله تعالى عنه وسمعه يخاطب وفد بني نهد: يا رسول الله نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال: (أدبني ربي فأحسن تأديبي وربيت في بني سعد) (1).