الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه، والنسائي والبيهقي والضياء المقدسي عن ابن عباس وابن جرير والبيهقي من وجه آخر عنه، وابن جرير عن ابن مسعود وأبو يعلى وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب، والترمذي وصححه والطبراني عن نيا - بنون مكسورة فمثناة تحتية مخففة - ابن مكرم - بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء - وابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن أبي حاتم عن ابن شهاب، وابن جرير عن عكرمة: أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، وأدنى الأرض يومئذ أذرعات بها التقوا، فهزمت الروم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو بمكة، فشق ذلك عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، وفرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنكم أهل كتاب وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إذا قاتلتمونا لنظهرن عليكم.
فأنزل الله تعالى: (ألم) [الروم 1: 6] الله أعلم بمراده به (غلبت الروم) وهم أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان (في أدنى الأرض) أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة، التقى فيها الجيشان والبادئ بالغزو الفرس.
(وهم) أي الروم (من بعد غلبهم) أضيف المصدر، إلى المفعول، أي غلبة أهل فارس إياهم (سيغلبون) فارس (في بضع سنين) هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر، فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس.
(لله الأمر من قبل ومن بعد) من قبل غلب الروم ومن بعده. المعنى أن غلبة فارس أولا وغلبة الروم ثانيا بأمر الله أي بإرادته (ويومئذ) أي يوم يغلب الروم (يفرح المؤمنون بنصر الله) إياهم على فارس، وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر ونزول جبريل بذلك مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه (ينصر من يشاء) نصرته (وهو العزيز) الغالب (الرحيم) بالمؤمنين (وعد الله) مصدر بدل من اللفظ بفعله والأصل وعدهم الله النصر (لا يخلف الله وعده) به (ولكن أكثر الناس) كفار مكة (لا يعلمون) وعده تعالى بذلك.
فلما نزلت هذه الآيات قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أن الروم تغلب فارس. قال: صدق صاحبي. وفي رواية: فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا ولا يقر الله عينكم فوالله ليظهرن الروم