الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن إسحاق والبيهقي عن الزهري والحافظ محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات عن الزهري، عن سعيد بن المسيب بسند صحيح أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يسمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رأكم بعض سفهاءكم لأوقعتم في قلبه شيئا. ثم انصرفوا.
حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة. ثم انصرفوا.
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل واحد منتهم مجلسة، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، بقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد. ولفظ الذهلي:
إن أبا سفيان قال للأخنس: فما تقول أنت؟ قال: أراه الحق. انتهى. قال أبو سفيان: والله يا أبا ثعلبة لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس: أنا والله كذلك.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ما سمعت؟ تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف فأطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه؟! والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.
تنبيه اختلف في الإسلام الأخنس بن شريق وسيأتي بسطي الكلام على ذلك.
وروى البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال: أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني كنت أمشي مع أبي جهل بن هشام في أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحكم هلم إلى الله ورسوله أدعوك إلى الله؟ فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا هل تريد أن نشهد أنك قد بلغت؟ فوالله لو أعلم أن ما تقوم حق اتبعتك، فانصرف