جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى كان الناس قبل المبعث من زمن نوح صلى الله عليه وسلم إلى زمن المبعث عباد أصنام إلا من استجاب للرسل منهم وهذه الضلالة اشترك فيها العرب والعجم، وعبد كثير من العجم النار وهم المجوس فاتخذوا بيوت بيران لا تزال تقد أبدا، وكانت إلى هذه النيران صلاتهم وقرا بينهم ويعتقدون فيها النفع والضر. وعلى هذه الضلالة كانت ملوك الأكاسرة.
وعبدت طائفة منهم كواكب معلومة، وترى هذه الطوائف أن سائر ما في العالم السفلي المعبر عنه بالحياة الدنيا ناشئ وصادر عن الكواكب وأن الشمس هي المفيضة على الكل، واتخذت هذه الطائفة التماثيل من الجواهر والمعادن على أسماء الكواكب وعبدتها وصلت إليها وقربت لها القرابين واعتقدت أنها تجلب النفع وتدفع الضر ويقال لهذه الطائفة الصابئة.
وقد بسط أبو جعفر ابن جرير والمسعودي وغيرهما الكلام على ذلك ومبدئه ولا حاجة بنا إلى ذكره.
وأما العرب، إلا القليل منهم، فإنهم اتخذوا الأصنام وعبدوها من دون الله تعالى ويقال لهم: (الذين أشركوا) سمة لهم واسما لزمهم وإن كان غيرهم ممن تقدم شاركهم في عبادة غير الله تعالى فإن هذا الاسم لا يطلق إلا على العرب.
وأول ما حدثت عبادة الأصنام في قوم نوح صلى الله عليه وسلم، فأرسله الله تعالى إليهم ينهاهم عن ذلك فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما كما قص الله خبره في عدة آيات واستمرت هذه الضلالة في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد قص الله تعالى نبأه مع قومه في عدة آيات. واستمر هذا الأمر الشنيع إلى أن بعث الله سبحانه وتعالى فضلا منه ورحمة، عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا إلى عبادة الله تعالى وحده فأنكر المشركون ذلك كما حكاه الله تعالى عنهم في غير ما آية.
والسبب في عبادة الناس الأصنام ما رواه الفاكهي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال:
أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم فجزع عليه ابنه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره، فمات ففعل به كما