الباب الحادي عشر في أنواع الوحي قال العلماء رضي الله تعالى عنهم: كان الوحي ينزل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحوال مختلفة.
الأول: الرؤيا الصادقة في المنام. قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى. قال يا أبت افعل ما تؤمر) [الصافات 102] فدل على أن الوحي كان يأتيهم في المنام كما كان يأتيهم في اليقظة.
وفي الصحيح عن عبيد بن عمير: (رؤيا الأنبياء وحي) وقرأ هذه الآية.
الثاني: أن ينفث الملك في روعه وفقلبه من غير أن يراه، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن روح القدس نفث في روعي: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق عن أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لن ينال إلا بطاعته.
رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القناعة والحاكم.
وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا ومحيا) [الشورى 51]: هو أن ينفث في روعه بالوحي. قال الحليمي: هذا هو الوحي الذي يخص القلب دون السمع.
الثالث: أن يأتيه مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه، فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك على الأرض.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول) (1).
وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات عن أبي سلمة الماجشون أنه بلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقى الرجل الرجل فذاك يتفلت مني، ويأتيني في شئ مثل صلصلة الجرس حتى يخالط قلبي فذاك لا يتفلت مني) (2).