الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة بعد النبوة روى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والإمام أحمد والبخاري والبيهقي عن الزهري رحمه الله تعالى، والشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قال الأولان: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياما لا يرى جبريل، فحزن لذلك حزنا شديدا - ولفظ الزهري: فتر الوحي فترة فيما بلغنا - غدا منه مرارا حتى يتردى من رؤوس شواهق الجبال.
ولفظ ابن عباس: حتى كاد يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء مرة أخرى، يريد أن يلقي نفسه منه.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك عامدا لبعض تلك الجبال. قال الزهري: فكلما وافى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال له: يا محمد أنت رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا المثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل. فقال له مثل ذلك.
قال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا، ثم نوديت فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي - وفي لفظ: على عريش بين السماء والأرض فرعبت منه. - وفي لفظ فجثيت. وفي لفظ فجثثت - فرقا حتى هويت إلى الأرض: فرجعت حتى أتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني، وفي لفظ دثروني دثروني صبوا علي ماء باردا، فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر) أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه (قم فأنذر) خوف الناس بالنار إن لم يؤمنوا (وربك فكبر) عظم عن إشراك المشركين (وثيابك فطهر) عن النجاسة: أو قصر خلاف جر العرب ثيابهم للخيلاء فربما أصابتها النجاسة.: (والزجر) فسره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأوثان. (فاهجر) أي دم على هجره (1).
قال ابن عباس والزهري: فتتابع الوحي وحمي.
قال ابن إسحاق ومتابعوه: وجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه ما ودعه وما قلاه فقال تعالى: (والضحى) أول النهار أو كله (والليل إذا سجى)