الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالى: (قل) يا محمد للناس: (أوحي) أخبرت بالوحي (إلي أنه) الضمير للشأن (استمع) لقرآني (نفر من الجن) جن نصيبين أو نينوى، وكانوا سبعة أو تسعة وذلك في صلاة الصبح ببطن نخلة موضع بين مكة والطائف وهم الذين ذكروا في قوله تعالى: (وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين) [الأحقاف 29] والنفر ما بين الثلاثة والعشرة.
(فقالوا) لقومهم لما رجعوا إليهم: (إنا سمعنا قرآنا عجبا) وصف بالمصدر على سبيل المبالغة أي هو عجب في نفسه لفصاحة لفظه وحسن مبانيه ودقة معانيه وغرابة أسلوبه وبلاغة مواعظه وكونه مباينا لسائر الكتب، والعجب ما خرج عن أشكاله ونظائره.
(يهدي) يدعو (إلى الرشد) الإيمان والصواب (فآمنا به) أي القرآن.
ولما كان الإيمان به متضمنا الإيمان بالله تعالى وبوحدانيته وبراءته من الشرك. قالوا:
(ولن نشرك) بعد اليوم (بربنا أحدا. وأنه) الضمير للشأن فيه وفي الموضعين بعده (تعالى) تعاظم (جد ربنا) جلاله وعظمته عما نسب إليه (ما اتخذ صاحبة) زوجة (ولا ولدا). بيان ذلك كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك واتخاذ الصاحبة والولد.
(وأنه كان يقول سفيهنا) جاهلنا إبليس أو مردة الجن. (على الله شططا) غلوا في الكذب بوصفه بالصاحبة والولد.
ثم أخذوا يعتذرون عن اتباعهم للسفيه في ذلك: (وأنا ظننا أن) مخففة أنه (لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) بوصفه بذلك، حتى تبينا كذبهم بذلك.
(وأنه كان رجال من الإنس يعوذون) يستعيذون. (برجال من الجن) حين ينزلون في أسفارهم بمكان مخوف فيقول كل رجل أعوذ بسيد هذا المكان من شر سفهائه.
(فزادوهم) بعوذهم بهم (رهقا) طغيانا، فقالوا: سدنا الجن والإنس (وأنهم) أي الجن.
(ظنوا كما ظننتم) يا إنس أو بالعكس. والآيتان من كلام الجن بعضهم لبعض، أو استئناف من كلام الله تعالى ومن فتح (أن) فيهما جعلهما من الموحى به أي أنه (لن يبعث الله أحدا) بعد موته، أو رسولا.