وفي الثانية: الأمر بالإنذار قائما، وحذف المفعول تفخيما.
والمراد بالقيام إما حقيقة، أي قم من مضجعك، أو مجازا، أي قم مقام تصميم.
وأما الإنذار فالحكمة في الاقتصار عليه هنا - فإنه أيضا بعث مبشرا - لأن ذلك كان أول الإسلام، فمتعلق الإنذار محقق فلما أطاع من أطاع نزلت: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) [الأحزاب 45].
وفي الثالثة: تكبير الرب تمجيدا وتعظيما، ويحتمل الحمل على تكبير الصلاة، كما حمل الأمر بالتطهير على طهارة البدن والثياب، وهي الآية الرابعة.
أما الخامسة فهجران ما ينافي التوحيد وما يؤول إلى العذاب وحصلت المناسبة بين السورتين المبتدأ بهما النزول فيما اشتملتا عليه من المعاني الكثيرة باللفظ الوجيز في عدة ما نزل من كل منهما ابتداء.
التاسع: ما ذكره ابن إسحاق من سبب نزول سورة الضحى رواه الطبراني من طريق العوفي، وهو ضعيف، عن ابن عباس، ومن طريق إسماعيل بن مولى آل الزبير ذكره سليمان التيمي في السيرة التي جمعها.
قال الحافظ: وكل هذه الروايات لا تثبت بحال، ويخالفها ما رواه الشيخان في سبب نزولها عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم يقربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله تعالى: (والضحى) إلى آخر السورة.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: والحق أن الفترة التي في سبب نزول سورة الضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإنها دامت أياما وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثا، فاختلطتا على بعض الرواة. وتحقيق الأمر ما بينته.
وذكر الحافظ: ابن كثير نحوه.
قال الحافظ: ووقع في السيرة لابن إسحاق في سبب نزولها شئ آخر فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وغيره ووعدهم بالجواب ولم يستثن، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشر ليلة، فضاق صدره وتكلم المشركون فنزل جبريل بسورة الضحى وبجواب ما سألوا.
قال الحافظ: ونزول سورة الضحى هنا بعيد لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربا، فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلا الأخرى، وكل منهما لم يكن في ابتداء المبعث، وإنما كان بعده بمدة.