واضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل لغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك.
قال الإمام البلقيني: وسبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به، كما في حديث ابن عباس: كان يعالج من التنزيل شدة.
قال: وقال بعضهم: وإنما كان أشده عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع. انتهى.
الخامس: قيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد. قال الحافظ: وفيه نظر. والظاهر أنه لا يختص بالقرآن كما في حديث يعلى بن أمية في قصة لا بس الجبة المتضمخ بالطيب. وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى.
السادس: عبر بقوله: (فيفصم عني وقد وعيت) بالماضي وفي: (فيكلمني فأعي) بالاستقبال. لأن الوعي حصل في الأول قبل الفصم، وفي الثاني حصل حالة المكالمة وإنه كان في الأول قد تلبس بصفات الملائكة فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظا لما قيل له، فعبر عنه بالماضي، بخلاف الثاني فإنه على حالته المعهودة.
السابع: قال إمام الحرمين (1): تمثل جبريل رجلا معناه أن الله تعالى أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام (2): فإن قيل إذا أتى جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صورة دحية فأين تكون روحه: أفي الجسد الذي يشبه بجسد دحية؟ أم في الجسد الذي خلق عليه له ستمائة جناح؟ فإن كان في الجسد الأعظم فما الذي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبريل، لا