رياضا معشبة وحياضا رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا. فقال لهم: ألم ألقاكم على تلك الحالة فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء، أن تتبعوني؟ قالوا: بلى. قال: فإن بين يديكم رياضا أعشب من هذه وحياضا أروى من هذه فاتبعوني. فقالت طائفة: صدق والله لنتبعنه. وقالت طائفة: رضينا بهذا تقيم عليه.
تنبيهات في بعض فوائد الحديث الأول: المثل: بفتح المثلثة والمراد به هنا: الصفة العجيبة الشأن، أي صفتي وصفة ما بعثني الله به من الأمر العجيب الشأن كصفة رجل أتى قوما إلى آخره.
والهدى والعلم: أي الطريقة والعمل. روى: (من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا).
والغيث: المطر، وإنما اختير الغيث على سائر أسماء المطر ليؤذن باضطرار الخلق إليه حينئذ. قال تعالى: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) [الشورى 28] وقد كان الناس في الزمن الأول قبل المبعث وهم على فترة من الرسل قد امتحنوا بموت القلب وذهاب العلم حتى أصابهم الله برحمة من عنده فأفاض عليهم سجال الوحي السماوي، فأشبهت حالهم حال من توالت عليه السنون وأخلفتهم المخايل حتى تداركهم الله بلطفه وأرخت عليهم السماء عزاليها، ثم كان حظ كل فريق من تلك الرحمة على ما ذكره من الأمثلة والنظائر.
قال القرطبي والنووي تبعا للقاضي: ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي نزل الغيث بها، فمنهم العالم المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة التي شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها.
ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه في غير أنه لم يعمل بنوافله ولم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها) (1).
ومنهم من سمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها.