التاسع: الحكمة في غط جبريل له: شغله عن الالتفات لشئ آخر، أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه، فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إلى، هذا وإن كان في علم الله حاصل لكن المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشئ دل على أنه لا يقدر عليه.
ونقل الحافظ عن بعض من لقيه أن هذا يعد من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه وقع له عند ابتداء الوحي مثل ذلك.
قال البلقيني: وكأن الذي حصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند تلقي الوحي من الجهد مقدمة لما صار يحصل له من الكرب عند نزول القرآن وبسط الكلام على ذلك، ويأتي بتمامه في باب شدة الوحي.
العاشر: الحكمة في تكرير الغط: المبالغة في التنبيه، ففيه أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلم وأمره بإحضار قلبه. وقيل الإشارة إلى التشديدات الثلاث التي وقعت له، وهي الحصر في الشعب، وخروجه إلى الهجرة، وما وقع له يوم أحد، وفي الارسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث، أو في الدنيا، والبرزخ، والآخرة.
الحادي عشر: هذا القدر الذي ذكر من سورة اقرأ هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة، فإنما نزل بعد ذلك بزمان.
والحكمة في هذه الأولية: أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن، ففيها براعة الاستهلال وهي جدية أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة، في أوله، وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى بالعنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في فن فيؤكده بذكر مثال سابق.
وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن: أنها تنحصر في علم التوحيد والأحكام والأخبار، وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله، وفي هذا الإشارة إلى الأحكام. وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفات ذات وصفات فعل، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله (علم الإنسان ما لم يعلم).
وقال السهيلي: قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اقرأ باسم ربك) فإنك لا تقرأ بحولك وقوتك ولا بصفة نفسك ولا بمعرفتك، ولكن اقرأ مفتتحا قراءتك باسم ربك مستعينا في جميع أمورك به، فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وعلمك ما لم تكن تعلم من أمور الدين ومصالح العباد وما تنطق به من المغيبات.
الثاني عشر: قال الحافظ: ذكر أكثر الأئمة أن هذا القدر المذكور في القصة من سورة