اقرأ أول ما نزل من القرآن. وشذ صاحب الكشاف فقال: إن أكثر المفسرين على أن أول سورة نزلت الفاتحة. وهذا وهم بلا شك. وقال في موضع آخر: المحفوظ أن أول ما نزل: اقرأ باسم ربك وأن نزول الفاتحة كان بعد ذلك. وقال النووي: أول ما نزل من القرآن: اقرأ. هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف وقيل أوله: (يا أيها المدثر) وليس بشئ.
الثالث عشر: إنما اضطرب فؤاده لما فجأه من الأمر المخالف للعادة والمألوف، فنفر طبعه البشري ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها.
الرابع عشر: قال البلقيني: الحكمة في العدول عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب كما قاله بعض أهل اللغة، فإذا حصل للوعاء الرجفان حصل للقلب فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب.
الخامس عشر: الحكمة في طلب التزمل أن العادة جرت بسكون الرعدة بالتلفف.
السادس عشر: دل قوله: (لقد خشيت على نفسي) مع قوله (ترجف بوادره) وفي لفظ:
(فؤاده) على انفعال حصل له من مجئ الملك، ومن ثم قال: (زملوني).
والخشية المذكورة اختلف في المراد بها عليا ثني عشر قولا: أولاها بالصواب:
الموت من شدة الرعب. وقيل المرض. وقيل دوامه. وقيل تعييرهم إياه.
قال القاضي: ليس هذا من معنى الشك فيما آتاه الله، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم عساه يخشى أن لا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل أعباء النبوة فتزهق نفسه أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولا عند لقاء الملك. قال: أو يكون قوله هذا الأول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك وتحقق رسالة ربه فيكون ما خاف أولا أن يكون من الشيطان، فأما منذ ما جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليك الشك ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه.
قال: وعلى هذا يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث البعث.
قال النووي: وهذا الاحتمال الثاني ضعيف، لأنه خلاف تصريح الحديث بأن هذا بعد غط الملك وإتيانه ب (اقرأ باسم ربك).
السابع عشر: خص ورقة موسى بالذكر ولم يقل على عيسى، مع كون ورقة نصرانيا، لأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى، وكذلك نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى، وكذلك وقعت النقمة عيد يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل ومن معه يوم بدر. أو قاله تحقيقا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتابين بخلاف عيسى، فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته.