ما شوقتنا إليه تشوقنا أقبلنا كلنا على جيفة نأكل منها ولا نشبع، وقد زاد بعضها على بعض فافتضحنا بأكلها؟ واصطلحنا على حبها فأعمت أبصار صالحينا وفقهائنا (1) فهم ينظرون بأعين غير صحيحة، ويسمعون بأذان غير سميعة، فحيث ما زالت زالوا معها، وحيث ما أقبلت أقبلوا إليها، وقد عاينوا المأخوذين على الغرة كيف فجأ بهم الأمور، ونزل بهم المحذور، وجاءهم من فراق الأحبة ما يتوقعون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون (2) فارقوا الدنيا وصاروا إلى القبور، وعرفوا ما كانوا فيه من الغرور، فاجتمعت عليهم حسرتان: حسرة الفوت وحسرة الموت (3) فاغبرت لها وجوههم، وتغيرت ألوانهم، وعرقت جباههم وشخصت أبصارهم، فبردت أطرافهم وحيل بينهم وبين المنطق (4) وإن أحدهم لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه.
ثم زاده الموت في جسده حتى خالط بصره فذهب من الدنيا معرفته، وهلكت عند ذلك حجته، وعاين هول امر كان مغطى عنه، فأخذ لذلك بصره.
ثم زاده الموت في جسده حتى بلغت نفسه الحلقوم، ثم خرج روحه من جسده فصار جسدا ملقى ببين أهله لا يجيب داعيا ولا يسمع باكيا.
فنزعوا ثيابه ثم غسلوه ثم وضئوه للصلاة، ثم كفنوه إدراجا في أكفانه، ثم حملوه إلى قبره فنزلوه حفرته، ثم تركوه مخلى بمفظعات من الأمور (5)، ثم المسألة من منكر ونكير