الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٣٦٤
قميص عثمان، وهو منصوب لهم قد ألبسوه (1) منبر مسجد دمشق، وأصابع زوجته نائلة معلقة فيه، فقال علي (عليه السلام): أمني يطلبون دم عثمان؟! اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ما نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمرا بلغه، أخرج، قال:
وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن، فخرج العبسي (2)، وأراد الناس أن يقتلوه فقالوا: ما [ل‍] - هذا الكلب رسول الكلاب يتكلم بمثل هذا، ولولا أمان علي (عليه السلام) لقتلناه. ثم (3) أحب أهل المدينة بعد ذلك أن يعلموا ما رأي علي (رض) في معاوية هل يقاتله أو ينكل عنه (4)، وقد بلغهم أن ابنه الحسن (رض) دعاه (5) إلى القعود (6).

(١) في (أ): لبسوه.
(٢) وفي تاريخ الطبري: ٣ / ٤٦٤: فخرج العبسي وصاحت السبائيه قالوا هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه، فنادى يا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل إني أحلف بالله جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحولة والركاب، وتعاووا عليه، ومنعته مضر وجعلوا يقولون له اسكت... ولكن الصحيح هو ما قاله ابن الصباغ المالكي في المتن [ولولا أمان علي (عليه السلام) لقتلناه...] (٣) في (ب): و.
(٤) في (د): عليه.
(٥) في (أ): دعا.
(٦) ذكر الطبري في: ٣ / ٤٦٥ من تاريخه: وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه وقد بلغهم أن الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس...
من خلال التتبع التاريخي لم نعثر على كلمة للإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) ربيب النبوة والعصمة انه يخاطب أبيه بهذا الخطاب الذي لا يصدر من الإنسان العرفي فكيف به إذا صدر من أهل التشريع والتطهير بنص الآية الكريمة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وبما نحن بصدد تحقيق الكتاب ولسنا بصدد تفنيده وكما قلنا سابقا فتارة نتفق معه وأخرى نختلف معه، فمثلا الطبري اعتمد في نقل كلام الإمام الحسن (عليه السلام) في: ٣ / ٤٧٤ عن سيف المعروف والذي تركنا ترجمته للقارئ الكريم بمراجعة المصادر فقط حتى يعرف هو بنفسه من هو سيف، وفي المرة الثانية اعتمد الطبري في:
٣ / ٤٧٦ على صاحب جمل عائشة، هذا أولا.
وثانيا: أن ابن قتيبة ذكر ذلك في: ١ / ٦٨ بعد أن ورد كتاب معاوية إلى علي، ورأى ما فيه وهو مشتمل عليه، وكره ذلك وقام فأتى منزله فدخل عليه الحسن ابنه، فقال له... بينما الطبري يقول قال ذلك الكلام بعد أن ترك علي الربذة وسأله شهاب بن طارق أو طارق بن شهاب على ما ذكرنا سابقا، وهذا الاختلاف بحد ذاته كاف لنقضه.
وثالثا: حسب ما نعتقد بأن الإمام الحسن (عليه السلام) ربما أشار على والده ذلك من باب طرح الرأي، وهذا ليس بغريب وطالما كان (عليه السلام) يشاور أصحابه فكيف بمشورة ابن العصمة وهو القائل له: أنت بعضي بل أنت كلي.
ورابعا: أو أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان يطرح السؤال والإمام يجيب على ذلك، وهذا واضح من خلال القصة وجواب الإمام علي (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام): فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به. وهذا ما نقله الطبري في: ٣ / ٤٧٤، و: ٥ / ١٧٠ ط أخرى.
وخامسا: بعد كل هذا وذاك نقول: إن الإمام الحسن (عليه السلام) قد تابع الأمور بدقة مع أبيه (عليه السلام) منذ أن حوصر عثمان بن عفان وكان في مقدمة المدافعين عنه كما يذكر صاحب كتاب أنساب الأشراف في:
٥ / ٦٩ والطبري أيضا في تاريخه: ٥ / ١١٨، وابن الأثير في الكامل: ٣ / ٦٨ - ٧٠.
وخلاصة كلامهم: وبلغ عليا أن القوم يريدون قتل عثمان... فقال للحسن والحسين اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه... فخضب الحسن بالدماء على بابه وشبح قنبر مولى علي، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر خشي أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيروها فتنة فأخذ بيد رجلين فقال لهما: إن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون...
وأضاف البلاذري: أن عليا لما بلغه الخبر جاء وقال لابنيه: كيف قتل وأنتما على الباب؟ فلطم هذا وضرب صدر ذاك وخرج وهو غضبان... وروى الطبري أيضا في: ٥ / ١١٣، والبلاذري: ٥ / ٦٩ أنه بلغ ذلك عليا - منع عثمان من شرب الماء - فبعث إليه بثلات قرب مملؤة فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بنى هاشم... وفي مروج الذهب: ١ / ٤٤١ مثله، وكذا في الفتوح لأبن أعثم: ١ / ٤١٦.
هذا من جهة ومن جهة ثانية أن الإمام الحسن (عليه السلام) يعلم كيفية البيعة لأبيه (عليه السلام) بعد مقتل الخليفة عثمان وتهافت المهاجرين والأنصار بما فيهم طلحة، والزبير وقوله (عليه السلام) لهم: وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا.
(انظر نهج البلاغة صبحي الصالح: خطبة ٩٢). وقوله (عليه السلام): لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به... وقوله (عليه السلام): إني قد كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم... وهو الذي ذهب إلى دار طلحة وقال له: يا أبا محمد إن الناس قد اجتمعوا إلي في البيعة، وأما أنا فلا حاجة لي فيها، فابسط يدك حتى يبايعك الناس، فقال طلحة: يا أبا الحسن، أنت أولى بهذا الأمر وأحق به مني لفضلك...
بالإضافة إلى ذلك أن الإمام الحسن (عليه السلام) يعرف ويراقب الوفود القادمة من اليمن وغيرها تبايع أبيه (عليه السلام) طائعين غير مكرهين ويسمع الأبيات الشعرية في تهنئته وقوله (عليه السلام): فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم. فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى، وقسط آخرون (انظر نهج البلاغة: خطبة ٣ المسماة بالشقشقية.
ولسنا بصدد شرح ذلك وإنما نحيل القارئ إلى المصادر التي ذكرت ذلك والتي تدل على أن الإمام الحسن (عليه السلام) بعد معرفته بهذا كله يعترض على أبيه (عليه السلام) لا ندري ولكن نقول كما قالوا: إن عشت أراك الدهر عجبا.
انظر الطبري في تاريخه: ٥ / ١٥٢، و: ١ / ٣٠٦٦ ط أوربا، كنز العمال: ٣ / ١٦١ ح ٢٤٧١، ابن أعثم في تاريخه: ١٦٠، أنساب الأشراف: ٥ / ٧٠، الحاكم في المستدرك: ٣ / ١١٤، تاريخ اليعقوبي:
٢
/ ١٧٨، ابن أعثم في الفتوح: ٢ / ٢٥٩ ط حيدرآباد، و: ١ / ٤٣١ - ٤٥٠ دار الكتب العلمية بيروت، الإصابة: ٦ / ٢٧٦، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ١ / ٦٥ و ٧٠.
وسادسا: لقد كان الإمام علي (عليه السلام) يتصرف تصرف الحجة فهو الذي لم يرفع سيفا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) على الرغم من معرفته باغتصاب حقه، والإمام الحسن (عليه السلام) يعرف ذلك أيضا، لكن قتال هؤلاء وعد وعهد عهده إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال الخوارزمي في مناقبه: ١٢٥ و ٢٢١: أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان، أخبرني الشيخ العالم محي السنة أبو الفتوح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابه، أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمد بن تميم الحنظلي بقنطرة بردان.... حدثنى جدي سعد بن عبادة عن علي (عليه السلام) قال: أمرت بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين، أما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فأهل الجمل، وأما المارقون فأهل النهروان.
وقال ابن عساكر في: ٣ / ٢٠٠ ط بيروت من ترجمة الإمام علي (عليه السلام) مثله عن زيد بن علي... عن علي قال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين. ومثله عن علي بن ربيعه قال سمعت عليا يقول: عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. ومثله عن أنس بن عمرو... عن علي قال: أمرت بقتال ثلاثة: المارقين، والقاسطين، والناكثين. ومثله عن إبراهيم عن علقمة ومثله أيضا عن خليد القصري قال: سمعت أمير المؤمنين علي يقول يوم النهروان: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين.
وانظر مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٣٩، تاريخ بغداد: ٨ / ٣٤٠، و: ١٣ / ١٨٦، كنز العمال: ٦ / ٧٢ و ٨٢ و ٨٨ و ١٥٥ و ٣١٩ و ٣٩٢، و: ٨ / ٢١٥، أسد الغابة: ٤ / ٣٢ و ٣٣، السيوطي في الدر المنثور تفسير سورة الزخرف آية: ٤١ (فإنا منهم منتقمون)، مجمع الزوائد: ٧ / ٢٣٨، و: ٩ / ٢٣٥، فرائد السمطين: ١ / ٢٨١ و ٢٨٣، أرجح المطالب: ٦٠٢، الرياض النضرة: ٢ / ٢٤٠.
وانظر قوله (صلى الله عليه وآله) لعمار: تقتلك الفئة الباغية في: صحيح البخاري: ١ / ١٢٢، صحيح مسلم:
٤
/ ٢٢٣٥، صحيح الترمذي: ٥ / ٦٦٩، مسند أحمد: ٢ / ١٦١ و ١٦٤، و: ٤ / ١٩٧، و: ٦ / ٢٨٩، مسند أبي داود الطيالسي: ٣ / ٩٠، حلية الأولياء: ٤ / ١١٢، تاريخ بغداد: ١٣ / 186، و: 5 / 315، و: 7 / 414، طبقات ابن سعد: 3 / 177، الطرائف لابن طاووس: 1 / 103.
سابعا: حسب اعتقادنا أن القائل هو أسامة بن زيد من خلال ما قاله ابن أعثم في الفتوح الطبعة الأولى دار الكتب العلمية بيروت: 1 / 421 قال: وأقبل أسامة بن زيد إلى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقال:
يا أبا الحسن، والله لأنك أعز على سمعي وبصري، وإني أعلمك أن هذا الرجل - يعنى عثمان بن عفان - ليقتل، فأخرج من المدينة وصر إلى ضيعتك ينبع، فإنه إن قتل وأنت بالمدينة شاهد رماك الناس بقتله، وإن قتل وأنت غائب لم يعذل بك أحد من الناس بعده، فقال له علي: ويحك، والله إنك لتعلم أني ما كنت في هذا الأمر إلا كالآخذ بذنب الأسد، وما كان لي فيه من أمر ولا نهي.
(٣٦٤)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (10)، دمشق (1)، القتل (14)، السجود (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام (9)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله (5)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (2)، الخليفة عثمان بن عفان (3)، المهاجرون والأنصار (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (4)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، آية التطهير (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب صحيح الترمذي (1)، أبو داود الطيالسي (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (2)، كتاب صحيح مسلم (1)، مدينة بيروت (3)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، أسامة بن زيد (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)، محمد بن أبي بكر (1)، طارق بن شهاب (1)، بنو هاشم (3)، علي بن ربيعة (1)، الحسن بن علي (1)، سعد بن عبادة (1)، محمد بن تميم (1)، زيد بن علي (1)، سورة الزخرف (1)، الخوارزمي (1)، الشام (1)، العزّة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (1)، المنع (1)، النهي (1)، اللبس (1)، الوطئ (1)، الوفاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 367 368 369 370 371 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649