الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٢٣
وفي صحيح البخاري (1) عن أبي حازم أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال:
(١) صحيح البخاري: ٤ / ٢٠٧ و ٢٠٨، و: ٥ / ٢٣ المناقب ط إحياء التراث العربي بيروت، صحيح مسلم:
٢ / ٤٥١ كتاب الفضائل: ح ٣٨ / ٢٤٠٩ وفيهما اختلاف مع ما ورد في نسخ الكتاب في السند والمتن ولا يغير في المعنى، كنوز الحقائق: ١٠٨، الصواعق المحرقة: ١٢١ الباب التاسع الفصل الثاني ح ٤٠ رقم ٥٢، كشف الغمة: ١ / ٩٣، بحار الأنوار للمجلسي: ٣٥ / ٥١.
ولسنا بصدد بيان تكنية الإمام علي (عليه السلام) بأبي تراب من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ولكن بما أنها لم تقع مرة واحدة بل إنها وقعت مرارا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد التبس الأمر على البعض كالناكثين (أصحاب الجمل) والقاسطين (معاوية وأصحابه) والمارقين (الخوارج) فأصبح الأمر بهذه التكنية كأنها عار عليه (عليه السلام) من قبل بني أمية وأتباعهم مع أنها موضع الفخر والاعتراز فكانت من أحب كناه إليه (عليه السلام) وكان يفرح إذا دعي بها، وهو صاحب الكنى الكثيرة والتي كناه بها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فهو أمير المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومبير الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأبو السبطين، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنة والنار، وصاحب اللواء، وسيد العرب، وخاصف النعل، وكاشف الكرب، والصديق الأكبر، وأبو الريحانتين، وذوالقرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة، والولي، والوصي... الخ. أورد هذه الألقاب العلامة الإربلي في كشف الغمة: ١ / ٩٣.
وقال الخوارزمي: وأنا أقول في ألقابه (عليه السلام): هو أمير المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وغرة المهاجرين، وصفوة الهاشميين... الكرار غير الفرار... أبو تراب، مجدل الأتراب، معفرين بالتراب، رجل الكتيبة والكتاب، والمحراب [والحراب] والطعان والضراب.... الخ. (المناقبللخوارزمي: ٤٠ ط جماعة المدرسين في قم).
وجاءت هذه التكنية له من قبله (صلى الله عليه وآله) من باب الملاطفة ولكن أعداءه جعلوها نقيصة له (عليه السلام) ووصمة عليه، فكأنما كسوه بها الحلي والحلل كما قال الحسن البصري. انظر شرح النهج لابن أبي الحديد:
١ / ١١ ولهذا ولغيره أحببنا أن نورد بعض الأحاديث في وجه تسميته بأبي تراب.
روى العلامة الأميني (رحمه الله) عن الشيخ علاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل: ٦ / ٣٣٧: أول من كني بأبي تراب علي بن أبي طالب (عليه السلام) كناه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وجده راقدا وعلى جنبه التراب فقال له ملاطفا: قم يا أبا تراب.
وجاء في المناقبلابن شهرآشوب: ٣ / ١١١ عن الطبري وابن إسحاق وابن مردويه أنه قال عمار:
خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة العشيرة فلما نزلنا منزلا نمنا فما نبهنا إلا كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: " يا أبا تراب " لما رآه ساجدا معفرا وجهه في التراب] وروى ابن المغازلي في مناقبه: ٨ / ٥ بسنده عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) رفيقين في غزوة العشيرة - إلى أن قال: - ثم غشينا النوم... حتى اضطجعنا في صور - صغار - من النخل وفي دقعائها، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التى نمنا فيها، فيومئذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)لعلي (عليه السلام) مالك، يا أبا تراب؟.
وروى الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " عن ابن عباس كما جاء في الغدير: ٦ / ٣٣٤ في حديث المؤاخاة: لما آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار - إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): - قم، فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب. وجاء في فرائد السمطين: ١ / ١١٧ وتاريخ دمشقلابن عساكر: ١ / ٢٣ رقم ٣٣. بإسنادهما عن حفص بن جميع قال: حدثني سماك بن حرب قال: قلت لجابر: إن هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم علي (عليه السلام)، قال: وما عسيت أن تشتمه به؟ قال: أكنيه بأبي تراب، قال: فوالله ما كانت لعلي (عليه السلام) كنية أحب إليه من أبي تراب. ثم ذكرا حديث المؤاخاة وقوله (صلى الله عليه وآله): قم يا أبا تراب، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبردته.
وعن مجاهد عن ابن عمر كما جاء في البحار: ٣٥ / ٥٠ قال: بينا أنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في نخل المدينة وهو يطلب عليا (عليه السلام) إذ انتهى إلى حائط فأطلع فيه فنظر إلى علي (عليه السلام) وهو يعمل في الأرض وقد اغبر فقال: ما ألوم الناس في أن يكنوك أبا تراب.
وجاء في الغدير أيضا: ٦ / ٣٣٥ عن الجامع الكبيرللسيوطي وأبو يعلى في مسنده بإسناده عن علي (عليه السلام) قال: طلبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدني في جدول نائما فقال: ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب.
ومن أراد الاطلاع على هذه الأحاديث الصحيحة السند وخاصة الحديث الذي نحن بصدده في كتاب الفصول المهمة فعليه مراجعة المصادر التالية: تاريخ الطبري: ٢ / ١٢٤ و ٢٦١، خصائص النسائي: ٣٩، مسند أحمد بن حنبل: ٤ / ٢٦٢ و ٢٦٣، مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٤٠، مشكل الآثار للطحاوي: ١ / ٣٥١، كنز العمال: ٦ / ١٥٤ و ٣٩٩، و: ٤ / ٣٩٠، مجمع الزوائد: ٩ / ١٠٠ و ١١١ و ١٣٦، تاريخ ابن كثير: ٣ / ٢٤٧، السيرة النبوية لابن هشام: ٢ / ٢٣٦، عمدة القاري للعيني: ٧ / ٦٣٠، طبقات ابن سعد: ٥٠٩، عيون الأثر لابن سيد الناس:
١ / ٢٢٦، الإمتاع للمقريزي: ٥٥، السيرة الحلبية: ٢ / ١٤٢، تاريخ الخميس: ٢ / ٢٦٤، علل الشرائع:
١٥٧، الجامع الكبيرللسيوطي: ٦ / ٣٩٩، ينابيع المودة: ١ / ١٦٢ و ١٦٣ الطبعة الأولى مطبعة أسوة، و: ٢ / ٧٩ و ٤٠٢.
ورواه البخاري: ٥ / ٢٣ باختلاف بسيط في كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد وكتاب الأدب وباب التكني بابي تراب وكتاب الاستيذان وباب القائلة في المسجد، ورواه ابن جرير الطبري في تاريخه: ٢ / ١٢٤، وأبو نعيم، وابن مردويه، وابن شاهين في حديث: أن عليا (عليه السلام) غضب على فاطمة (عليها السلام) فوجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قم يا أبا تراب، قم يا أبا تراب، وذكره ابن البيع في أصول الحديث، والخركوشي في شرف النبي (صلى الله عليه وآله)، وشيرويه في الفردوس مع اختلاف يسير في اللفظ.
ولسنا بصدد بيان صحة هذه القصة والتي أصبح فيها الخلط بين هذا الحديث والحديث السابق الصحيح السند في تسمية علي (عليه السلام) بأبي تراب. وهاهو أبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٤٠ - منشورات الشريف الرضي الطبعة الأولى إيران - يسرد القصة وكأنها من المسلمات عنده. والمحقق والشارح لكتابه السيد أحمد صقر لا يعلق على هذه القصة بشيء بل يورد في: ٤١ بأن القصة مصادرها موجودة في مرآة الجنان: ١ / ١٠٨، ومسند أحمد: ٤ / ٢٦٣، والقسطلاني: ٦ / ١٣٨ وعمدة القاري:
٢٢ / ٢١٤، وصفة الصفوة: ٤ / ١٤٥.
وروى القصة أيضا صاحب غاية المرام: ٦ باب ٧ و ١٤ ب ٦ من المقصد الأول ح ١، عن أماليالصدوق عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفجر، ثم قام بوجه كئيب وقمنا معه حتى صار إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فأبصر عليا (عليه السلام) نائما بين يدي الباب على الدقعاء، فجلس النبي (صلى الله عليه وآله) فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: قم فداك أبي وأمي يا أبا تراب، ثم أخذ بيده ودخلا منزل فاطمة (عليها السلام) فمكثا هنيئة، ثم سمعنا ضحكا عاليا ثم خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجه مشرق، فقلنا: يا رسول الله دخلت بوجه كئيب وخرجت بخلافه؟ فقال (صلى الله عليه وآله): كيف لا أخرج وقد أصلحت بين اثنين أحب أهل الأرض إلى أهل السماء.
وروى ابن المغازلي في مناقبه: ٩ / ٦ مثله ولكن لا أريد التعليق على هذه الزيادة بل أكتفي بما رواه الصدوق (رحمه الله) بسنده عن حبيب بن أبيثابت وغيره بعد نقل هذا الحديث قال: ليس هذا الخبر عندي بمعتمد ولا هو لي بمعتقد لأن عليا وفاطمة (عليها السلام) ما كانا ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإصلاح بينهما، لأنه سيد الوصيين، وهي سيدة نساء العالمين، مقتديان بنبي الله في حسن الخلق. (انظر غاية المرام أيضا: ٦ باب ٧ المقصد الأول ح ١).
وانظر حديث الاستيعاب لابن عبد البر المالكي بهامش الإصابة: ٣ / 54 لم تجد هذه الزيادة بل جاء فيه: قال: دخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) ثم خرج عن عندها فاضطجع في صحن المسجد فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة (عليها السلام) فقال: أين ابن عمك؟ قالت: هو ذاك مضطجع في المسجد... ومثله بدون الزيادة في مسند الصحابة: 186 ح 38 كما ذكرنا ذلك سابقا، فان عشت أراك الدهر عجبا.