ينفعك [هذا] يوم كثر واتره وقل ناصره، وبعدا لقوم قتلوك.
ثم أمر به فحمل ورجلاه تخطان على الأرض حتى وضع مع علي بن الحسين.
وعطش الحسين فاستسقى - وليس معهم ماء - فجاءه رجل بماء فتناوله ليشرب، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فيه فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله.
وتوجه نحو المسناة يريد الفرات، فقال رجل من بني أبان بن دارم: حولوا بينه وبين الماء. فعرضوا له فحالوا بينه وبين الماء وهو أمامهم! فقال الحسين: اللهم أظمه.
ورماه الأباني بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع السهم وتلقى الدم فملأ كفه وقال: اللهم إني أشكو إليك ما فعل هؤلاء.
فما لبث الأباني إلا قليلا حتى رئي وإنه ليؤتى بالقلة أو العس - إن كان ليروي عدة - فيشربه فإذا نزعه عن فيه قال: أسقوني فقد قتلني العطش! فما زال بذلك حتى مات.
وجاء شمر بن ذي الجوشن فحال بين الحسين وبين ثقله فقال الحسين: رحلي لكم عن ساعة مباح [كذا] فامنعوه [ما دمت حيا] من [رذا] لكم وطغامكم وكونوا في دنياكم أحرارا إذا لم يكن لكم دين. فقال شمر: ذلك لك يا ابن فاطمة.
قال: فلما قتل أصحابه وأهل بيته بقي الحسين عامة النهار لا يقدم عليه أحد إلا انصرف [عنه] حتى أحاطت به الرجالة.
[قال]: فما رأينا مكثورا قط أربط جأشا منه، إن كان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع، وإن كان ليشد عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شد فيها الأسد.
فمكث [الحسين] مليا من النهار والناس يتدافعونه ويكرهون الاقدام عليه، فصاح بهم شمر بن ذي الجوشن: ثكلتكم أمهاتكم ماذا تنظرون به؟!! اقدموا عليه.
فكان أول من انتهى إليه زرعة بن شريك التميمي فضرب كتفه اليسرى وضربه حسين على عاتقه فصرعه.
وبرز له سنان بن أنس النخعي فطعنه في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره فخر الحسين صريعا، ثم نزل إليه ليحتز رأسه، ونزل معه خولي بن يزيد الأصبحي فاحتز رأسه ثم أتى به عبيد الله بن زياد فقال:
أوقر ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس اما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا فلم يعطه عبيد الله شيئا.
قال: ووجدوا بالحسين ثلاثا وثلاثين جراحة، ووجدوا في ثوبه مأة وبضعة عشر خرقا من السهام وأثر الضرب.
وقتل [في] يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين وله يؤمئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر.
وكان جعفر بن محمد يقول: قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
وقتل مع الحسين اثنان وسبعون رجلا.
وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا.
و [هذه أسماء من] قتل [من بني هاشم وأولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام] مع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
1 - الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قتلهسنان بن أنس النخعي، وأجهز عليه وحز رأسه الملعون خولي بن يزيد الأصبحي.
2 - والعباس بن علي بن أبي طالب الأكبر، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم السنبسي من طئ.
3 - وجعفر بن علي بن أبي طالب الأكبر، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.
4 - وعبد الله بن علي بن أبي طالب، قتله [أيضا] هانئ بن ثبيت الحضرمي.
5 - وعثمان بن علي بن أبي طالب، رماه خولي بن يزيد بسهم فأثبته، وأجهز عليه رجل من بني أبان بن دارم.
6 - وأبو بكر ابن علي بن أبي طالب، يقال: إنه قتل في ماقية.
7 - ومحمد بن علي بن أبي طالب الأصغر، وأمه أم ولد قتله رجل من بني أبان بن دارم.
8 - وعلي بن الحسين الأكبر، قتلهمرة بن النعمان العبدي.
9 - وعبد الله بن الحسينقتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.
10 - وجعفر بن الحسين.
11 - وأبو بكر بن الحسين علي، قتلهما عبد الله بن عقبة الغنوي.
12 - وعبد الله بن الحسن، قتلهحرملة الكاهلي من بني أسد.
13 - والقاسم بن الحسنقتله [عمرو بن سعد الأزدي].
14 - وعون بن عبد الله بن جعفر، قتله عبد الله بن قطبة الطائي.
15 - ومحمد بن عبد الله بن جعفر، قتله عامر بن نهشل التميمي.
16 - ومسلم بن عقيل بن أبي طالب قتلهعبيد الله بن زيادبالكوفة صبرا.
17 - وجعفر بن عقيلقتله بشر بن حوط الهمداني. ويقال: [قتله] عروة بن عبد الله الخثعمي.
18 - وعبد الرحمان بن عقيلقتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشر بن حوط.
19 - وعبد الله بن عقيل وأمه أم ولد، قتله عمرو بن الصبح الصدائي.
20 - وعبد الله بن عقيل الآخر - وأمه أم ولد - قتله عمرو بن صبح الصدائي. ويقال: قتله أسيد بن مالك الحضرمي.
21 - ومحمد ابن أبي سعيد ابن عقيل قتله لقيط الجهني.
22 - ورجل من آل [أبي] لهب لم يسم لنا.
23 - ورجل من آل أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقال له: أبو الهياج وكان شاعرا.
وسليمان مولى الحسين بن عليقتله سليمان بن عوف الحضرمي.
ومنجح مولى الحسين بن علي.
وعبد الله بن يقطر رضيع الحسين. قتلبالكوفة، رمي به من فوق القصر فمات، وهو الذي قيل فيه:
" وآخر يهوي من طمار قتيل ".
وكان من قتل معه رضي الله عنه من سائر الناس من قبائل العرب من القبيلة الرجل والرجلان والثلاثة ممن صبر معه.
وقد كان ابنا عبد الله بن جعفر لجئا إلى امرأة عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني وكانا غلامين لم يبلغا.
وقد كان عمر بن سعد أمر مناديا فنادى: من جاء برأس فله ألف درهم. فجاء ابن قطبة إلى منزله فقالت له امرأته: إن غلامين لجئا إلينا فهل لك أن تشرف بهما فتبعث بهما إلى أهلهما بالمدينة؟ قال: نعم أرنيهما. فلما رآهما ذبحهما وجاء برؤوسهما إلى عبيد الله بن زياد فلم يعطه شيئا، فقال عبيد الله: وددت أنه كان جاءني بهما حيين فمننت بهما على أبي جعفر يعني عبد الله بن جعفر.
وبلغ ذلك عبد الله بن جعفر فقال: وددت أنه كان جاءني بهما فأعطيته ألفي ألف.
ولم يفلت من أهل بيت الحسين بن علي الذين [كانوا] معه إلا خمسة نفر:
علي بن الحسين الأصغر، وهو أبو بقية ولد الحسين بن علي اليوم، وكان مريضا فكان مع النساء.
وحسن بن حسن بن علي، وله بقية.
وعمرو بن حسن بن علي، ولا بقية له.
والقاسم بن عبد الله بن جعفر.
ومحمد بن عقيل الأصغر.
فإن هؤلاء استضعفوا فقدم بهم وبنساء الحسين بن علي وهن:
زينب وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب.
وفاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي.
والرباب بنت أنيف الكلبية امرأة الحسين بن علي وهي أم سكينة وعبد الله المقتول ابني الحسين بن علي.
وأم محمد بنت حسن بن علي امرأة علي بن الحسين.
وموالي لهم ومماليك عبيد وإماء قدم بهم على عبيد الله بن زياد مع رأس الحسين بن علي ورؤوس من قتل معه رضي الله عنه وعنهم.
ولما قتلالحسين بن علي رضي الله عنه انتهب ثقله فأخذ سيفه الفلافس النهشلي.
وأخذ سيفا آخر [له] جميع بن الخلق الأودي.
وأخذ سراويله بحر - الملعون - ابن كعب التميمي فتركه مجردا.
وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الكندي فكان يقال له قيس قطيفة.
وأخذ نعليه الأسود بن خالد الأودي.
وأخذ عمامته جابر بن يزيد.
وأخذ برنسه - وكان من خز - مالك بن نسير الكندي.
وأخذ رجل من أهلي العراق حلي فاطمة بنت الحسين وهو يبكي!! فقالت: لم تبكى؟
فقال: أسلب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبكي؟! فقالت: دعه. قال: إني أخاف أن يأخذه غيري!!!
وكان علي بن الحسين الأصغر مريضا نائما على فراش، فقال شمر بن ذي الجوشن الملعون: اقتلوا هذا. فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله أيقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل؟!
وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرضوا لهؤلاء النسوة، ولا لهذا المريض.
قال علي بن الحسين: فغيبني رجل منهم وأكرم نزلي واحتضنني وجعل يبكي كلما خرج ودخل حتى كنت أقول: إن يكن عند أحد من الناس وفاء فعند هذا، إلى أن نادى منادي ابن زياد: ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاث مأة درهم.
قال: فدخل والله علي وهو يبكي وجعل يربط يدي إلى عنقي وهو يقول: أخاف!!!
فأخرجني والله إليهم مربوطا حتى دفعني إليهم وأخذ ثلاث مأة درهم وأنا أنظر إليها [كذا].
فأخذت فأدخلت على ابن زياد فقال: ما اسمك؟ قلت: علي بن الحسين. قال: أو لم يقتل الله عليا؟! قال: قلت: كان لي أخ يقال له: علي [وكان] أكبر مني قتله الناس. قال: بل الله قتله. قلت: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * فأمر بقتله فصاحت زينب بنت علي: يا ابن زياد حسبك من دمائنا أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه. فتركه.
وأمر عمر بن سعد بثقل الحسين أن يدخل الكوفة إلى عبيد الله بن زياد، وبعث إليه برأسه مع خولي بن يزيد الأصبحي.
فلما حمل النساء والصبيان فمروا بالقتلى صرخت امرأة منهم: يا محمداه هذا حسين بالعراء، مزمل بالدماء، وأهله ونساؤه سبايا.
فما بقي صديق ولا عدو إلا أكب باكيا!!!
ثم قدم بهم على عبيد الله بن زياد، فقال عبيد الله: من هذه؟ فقالوا: زينب بنت علي بن أبي طالب. فقال: كيف رأيت الله صنع بأهل بيتك؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بيننا وبينك وبينهم.
قال: الحمد لله الذي قتلكم وأكذب حديثكم. قالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا.
فلما وضعت الرؤس بين يدي عبيد الله بن زياد جعل يضرب بقضيب معه على في الحسين وهو يقول:
يفلقن هاما من أناس أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأشأما فقال له زيد بن أرقم: لو نحيت هذا القضيب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع فاه على موضع هذا القضيب.
اجمال ما جرى على الامام الحسين وأهل بيته عليهم السلام من بدء إرساله رائد الشهداء مسلم بن عقيل عليهم السلام إلى الكوفة، إلى رجوع أهل البيت من الشام إلى المدينة المنورة برواية ابن سعد في الطبقات الكبرى