حب علي بن أبي طالب واتباع الحق، فقال: والله ما أرى عليك من علي أثرا، فقالت سودة: بلى والله يا معاوية! فقال لها: وما هو؟ فقالت: إن ثوابي عند الله أعظم، فأنشدك الله أن لا تعيد ما مضى ولا تذكر ما قد نسي، فقال معاوية: هيهات يا سودة! ما مثل مقام أخيك في يوم صفين ينسى، وما لقيت من أحد من العرب مثل ما لقيت من قومك، فقال سودة: صدقت (1)، وقد كان أخي كما قالت الخنساء في أخيها صخر حيث تقول:
وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار وبالله أسألك أنك لا تذكر شيئا مما قد مضى، فقال معاوية: قد فعلت يا سودة! فما حاجتك؟ فقالت: إنه قد مضى علي لسبيله وقد أصبحت للناس سيدا ولأمورهم مقلدا، والله سائلك عن أمرنا وعما افترض عليك من حقنا، ولا يزال (2) يقدم علينا من قبلك من يسمو مكانك ويبطش (3) بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدرسنا (4) درس الحرمل، يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف، وهذا بسر بن (أبي) أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فأما إن عزلته عنا فشكرناك، وأما لا فكفرناك (5)، فقال معاوية: إياي تهددين يا سودة! لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردك إليه فينفذ فيك حكمه، قال:
فأطرقت سودة إلى الأرض ساعة ثم رفعت رأسها وأنشأت تقول:
صلى الإله على روح تضمنها * قبر فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحق لا يبغي بدلا (6) * فصار بالحق والإيمان مقرونا فقال معاوية: ومن هذا يا سودة؟ فقالت: والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب! والله لقد جئته في رجل قد كان ولاه صداقتنا فجار علينا، فجئت إليه فأصبته قائما يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برأفة وتعطف فقال: ألك