إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٩ - الصفحة ٢٨٦
قلت: خرجه مسلم من حديث جويرية، عن مالك عن الزهري، أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين " قالا لي والفضل بن عباس " إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك، جاء علي بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا، فوالله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك، قال علي:
أرسلوهما، فانطلقا.
واضطجع علي، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: أخرجا ما تصرران، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ هند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون.
قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية - وكان على الخمس - ونوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، قال فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك - فضل بن العباس - فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك - لي - فأنكحني، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري ولم يسمه لي (1).

(1) قوله: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد " دليل على أنها محرمة، سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما من الأسباب الثمانية [وهي المذكورة في الآية رقم (60) من سورة التوبة، وهي قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)]، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وجوز بعض أصحابنا لبني هاشم ولبني المطلب العمل عليها بسهم العامل، لأنه إجارة، وهذا ضعيف أو باطل وهذا الحديث صريح في رده.
قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما هي أوساخ الناس " تنبيه على العلة في تحريمها على بني هاشم، وبني المطلب، وأنها لكرامتهم تنزيههم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) [التوبة:
103]، فهي كغسالة الأوساخ. (شرح النووي).
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست