ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وابعثوا إلى عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه. فإنه من علمتم، فلا نأمن أن يفسد عليكم لعله يكف عنكم فأرسلوا إليه.
فجاءهم فقالوا له مثل ما قالوا لأبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: لن ألوكم خيرا، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فوجد أبا بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه يلينه. يقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب فامنن عليهم من الله عليك، أو فادهم يستنفدهم الله بك من النار. فتأخذ منهم ما أخذت قوة المسلمين. فلعل يقبل بقلوبهم عليك. ثم قام فتنحى ناحية، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه.
ثم جاء عمر، فجلس مجلس أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فقال: يا رسول الله، هم أعداء الله كذبوك، وقاتلوك، و أخرجوك. اضرب رقابهم. هم رؤوس الكفر، وأئمة الضلالة. يوطئ الله بهم الإسلام، ويذل بهم الله أهل الشرك. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، وعاد أبو بكر إلى مجلسه الأول، وقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، قومك فيهم الآباء، والأبناء، والعمومة، والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب. فامنن عليهم، أو فادهم فهم عترتك وقومك لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم الله خيرا من أن تهلكهم فسكت عنه ساعة، ولم يرد عليه شيئا، فقام عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه فجلس مجلسه، فقال: يا رسول الله: ما تنتظر بهم؟ اضرب رقابهم يوطئ الله بهم الإسلام، ويذل أهل الشرك، هم أعداء الله كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك، يا رسول الله اشف صدور المؤمنين لو قدروا على مثل هذا منا ما أقالونا أبدا، فجلس فعاد أبو بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكلمه مثل كلامه الذي كلمه، فلم يجبه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل، فمكث فيها ساعة، وخرج والناس يخوضون في شأنهم. يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وآخرون يقولون: القول ما قال عمر.