[الدليل] الرابع: مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - أن من أنكر خلافة الصديق، رضي الله تبارك وتعالى عنه، فهو كافر، وكذلك من أنكر خلافة عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ومنهم من لم يحك في ذلك خلافا، ومنهم من ذكر في ذلك خلافا، وقال: الصحيح أنه كافر، [والمسألة] مذكورة في (الغاية) للسروجي، وفي (الفتاوى الطهيرية)، وفي (الأصل) لمحمد بن الحسن، رحمه الله، والظاهر أنهم أخذوا ذلك عن إمامهم أبي حنيفة، وهو أعلم بالروافض، لأنه كوفي، والكوفة منبع الروافض، والروافض طوائف منهم من يجب تكفيره ومنهم من لا يجب تكفيره فإذا قال أبو حنيفة [رحمه الله] بتكفير من ينكر إمامة الصديق فتكفير لاعنه أولى.
والظاهر أن المستند، أن منكر إمامة الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه مخالف للاجماع، بناه على أن جاحد [الحكم] المجمع عليه كافر، وهو المشهور عند الأصوليين، وإمامة الصديق مجمع عليها، من حين بايعه عمر ابن الخطاب، رضي الله تبارك وتعالى عنهما، ولا يمنع من ذلك تأخر بيعة بعض الصحابة، فإن الذين تأخرت بيعتهم، لم يكونوا مخالفين في صحة إمامته، ولهذا كانوا يأخذون [عطاءه] ويتحاكمون إليه، فالبيعة شئ، والاجماع شئ، لا يلزم من أحدهما الآخر، ولا من عدم أحدهما عدم الآخر، فافهم ذلك، فإنه قد يغلط فيه. وهذا قد يعترض عليه شئ من شيئين:
أحدهما: قول: بعض الأصوليين: أن جاحد الحكم المجمع عليه، إنما يكفر إذا كان معلوما من الدين بالضرورة، وأما المجمع عليه الذي ليس معلوما من الدين بالضرورة، فلا يكفر بإنكاره، مثل كون بنت الابن لها السدس مثل البنت، مجمع عليه، وليس معلوما بالضرورة، فلا يكفر منكره، ويجاب على هذا [بأن] خلافة الصديق، وبيعة الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم له، ثبتت بالتواتر المنتهي إلى حد الضرورة، فصارت كالمجمع عليه: المعلوم بالضرورة، وهذا لا شك فيه، ولم يكن أحد من الروافض في أيام الصديق، ولا في أيام عمر، ولا في أيام عثمان، رضي الله تبارك وتعالى عنهم، وإنما حدثوا بعده، وحدثت مقالتهم بعد حدوثهم.