إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٤٠
ولأبي يعلى الموصلي من حديث يحيى بن حماد بن سلمة، حدثنا عاصم عن زر عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جبريل عند السدرة وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه تهاويل الدر والياقوت، قال أبو نعيم: رواه عن عاصم مثله مرفوعا زائدة وحسين بن واقد. ورواه شريك وغيره موقوفا على عبد الله. وقال أبو وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل في خضر معلقا به الدر، وزاد عاصم: وله ستمائة جناح (1).
وخرج أبو نعيم من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني وآدم عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) (2) قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق تتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا الله (3).

(١) هذا الحديث أخرجه (البخاري) في كتاب التفسير، باب (فأوحى إلى عبده ما أوحى)، الحديث رقم (٤٨٥٧): حدثنا طلق بن غنام، حدثنا زائدة عن الشيباني قال: " سألت زرا عن قوله تعالى:
(فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال: أخبرنا عبد الله أنه محمد صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
قوله: " أنه محمد "، الضمير للعبد المذكور في قوله تعالى: (إلى عبده) ووقع عند أبي ذر " أن محمدا رأى جبريل " وهذا أوضح في المراد، والحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل، كما ذهبت إلى ذلك عائشة، والتقدير على رأيه فأوحى، جبريل، إلى عبده، أي عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه يرى أنه الذي دنا فتدلى هو جبريل، وأنه هو الذي أوحى إلى محمد. وكلام أكثر المفسرين من السف يدل على أن الذي أوحى هو الله، أوحى إلى عبده محمد، ومنهم من قال: إلى جبريل.
قوله: " له ستمائة جناح ": زاد عاصم عن زر في هذا الحديث " يتناثر من ريشه التهاويل من الدر والياقوت ". أخرجه النسائي وابن مردويه، ولفظ النسائي: " يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت ".
(المرجع السابق). ونحوه في كتاب بدء الخلق، باب (٧) حديث رقم (٣٢٣٢). (المرجع السابق): ٦ / ٣٨٥.
(٢) الآية: ١٤ / النجم.
(٢) الآية: ١٤ / النجم.
(٣) أخرج البخاري نحوه في كتاب التفسير، باب (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، حديث رقم (٤٨٥٨): حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، " عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال: رأى رفرفا أخضر قد سد الأفق ".
قوله: " رأى رفرفا أخضر قد سد الأفق "، هذا ظاهره يغاير التفسير السابق أنه رأى جبريل، ولكن يوضح المراد، أخرجه النسائي والحاكم، عن طريق عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود قال: أبصر نبي الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض، فيجتمع من الحديثين أن الموصوف جبريل، والصفة التي كان عليها.
وقد وقع في رواية محمد بن فضيل عند الإسماعيلي، وفي رواية ابن عيينة عن النسائي، كلاهما عن الشيباني عن زر عن عبد الله، أنه رأى جبريل له ستمائة جناح قد سد الأفق، والمراد أن الذي سد الأفق الرفرف الذي فيه جبريل، فنسب جبريل إلى سد الأفق مجازا.
وفي رواية أحمد والترمذي، وصححها من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رأى جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض، وبهذه الرواية يعرف المراد بالرفرف وأنه حلة، ويؤيده قوله تعالى: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) [الآية ٧٦ / الرحمن]، وأصل الرفرف ما كان من الديباج، رقيقا حسن الصنعة، ثم اشتهر استعماله في الستر، وكل ما فضل من شئ فعطف وثنى فهو رفرف. ويقال: رفرف الطائر بجناحه إذا بسطهما، وقال بعض الشراح:
يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته فصارت تشبه الرفرف، كذا قال، والرواية التي أوردتها توضح المراد. (فتح الباري): ٨ / ٧٨٦، ٧٨٧.
ومن أحاديث الباب ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب (77) معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى)، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء، حديث رقم 287 (177): " حدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي، عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة فقالت: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: (ولقد رآه بالأفق المبين)، (ولقد رآه نزلة أخرى)، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين: رأيته منهبطا من السماء، سادا عظم خلقه ما ين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن الله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)؟ أو لم تسمع أن الله يقول: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)؟ قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)؟ قالت:
ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: (لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله). (مسلم بشرح النووي): 3 / 10 - 12.
وأخرج ابن حبان في صحيحه، باب: ذكر رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم جبريل بأجنحته، حديث رقم (6427) أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن الشيباني، قال:
" سألت زر بن حبيش عن هذه الآية: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) [18 / النجم] قال:
قال عبد الله: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح ". وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. والشيباني هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان. (الإحسان): 14 / 336.
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست