فإذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد، لأن الصفات التي أقروا أنها هي وفاق لأحواله وزمانه ومخرجه ومبعثه وشرعته فليدلونا على من له هذه الصفات، ومن خرت الأمم بين يديه وانقادت لطاعته، واستجابت لدعوته، ومن صاحب الجمل الذي هلكت بابل وأصنامها به، وأن هذه الأمة من ولد قيدار بن إسماعيل الذين ينادون من رؤوس الجبال بالتلبية والأذان، والذين نشروا تسبيحه في البر والبحر، هيهات أن يجدوا ذلك إلا في محمد وأمته.
قال ابن قتيبة: ولو لم تكن هذه الأخبار في كتبهم بدليل قوله تعالى (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) (1)، وقوله: (لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) (2)، وقوله: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) (3)، وقوله: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (4)، وكيف جاز لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يحتج عليهم بما ليس عندهم ويقول: من علامة نبوتي أنكم تجدوني مكتوبا عندكم، ولا تجدونه وقد كان عيبا أن يدعوهم بما ينفرهم، ولما أيقن الحال عبد الله بن سلام ومن أسلم أسلموا.
وقد ذكر يوحنا الإلهي الذي كتب الإنجيل في كتاب اسمه الأبوعلمسيس نبينا محمدا (صلى الله عليه وسلم) وسماه: ماما ديوس، ومعنى ماما بالعبرية ميم، ومعنى ديوس ح م د، وقال ابن الجوزي: وما زال أهل الكتاب يعرفون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بصفاته ويقرون به ويعدون بظهوره، ويوصون أهاليهم بالإيمان به، فلما ظهر آمن عقلاؤهم، وحمل الحسد آخرين على العناد كحيي بن أخطب، وأبو عامر الراهب، وأمية بن أبي الصلت، وقد أسلم جماعة من علماء متأخري أهل الكتاب، وصنفوا كتبا يذكرون فيها صفاته التي في التوراة والإنجيل، فالعجب ممن يتيقن وجود الحق ثم يحمله الحسد على الرضا بالخلود في النار.