الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها (1) الحجف والمجان والرماح والنبل ودخلوا بسلاح الراكب السيوف وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة بنت الحارث العامرية، فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس وكان تحته أختها أم الفضل بنت الحارث، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه قال " اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف " ليرى المشركون جلدهم وقوتهم وكان يكايدهم بكل ما استطاع فاستكف أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت و عبد الله ابن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا بالسيف وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله * أنا الشهيد أنه رسوله قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله فاليوم نضربكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. غيظا وحنقا، ونفاسة وحسدا. وخرجوا إلى الخندمة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية، فلما أتى الصبح من اليوم الرابع، أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب ابن عبد العزى: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك والله لا يخرج. ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلا وحويطبا فقال: " إن قد نكصت فيكم امرأة، لا يضركم أن أمكث حتى أدخل بها ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا " فقالوا نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل ببطن سرف وأقام المسلمون وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبن رافع ليحمل ميمونة، وأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين ومن صبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف فبنى بها ثم أدلج فسار حتى أتى المدينة، وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر قصة ابنة حمزة إلى أن قال: وأنزل الله عز وجل في تلك العمرة (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه. وقد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير