المرادون بقوله تعالى (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا * وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون إلا فرارا) [الأحزاب: 12 - 13].
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرابطا وأقام المشركون يحاصرونه بضعا وعشرين ليلة، قريبا من شهر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل، فلما اشتد على النابس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن الزهري إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك واستشار هما فيه، فقالا: يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ فقال: بل شئ أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا وهؤلاء. على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالاسلام، وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال ليجهدوا علينا. قال: فأقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه محاصرين ولم يكن بينهم وبين عدوهم قتال إلا أن فوارس من قريش - منهم عمرو بن عبد ود أبي قيس أحد بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان، وضرار بن الخطاب بن مرداس أحد بني محارب بن فهر - تلبسوا للقتال، ثم خرجوا على خيلهم، حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيئوا يا بني كنانة للحرب، فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها. ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت منه، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليه الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه، فلما خرج هو وخيله قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، قال أجل.
قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الاسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال:
فإني أدعوك إلى النزال. قال له: لم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك. قال له علي: لكني