أنهم ينتقصون الاسلام بقولهم صبأنا صبأنا، ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الاسرى أيضا، ومع هذا لم يعزله رسول الله صلى الله عليه وسلم بل استمر به أميرا وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك وودى ما كان جناه خطأ في دم أو مال ففيه دليل لاحد القولين بين العلماء في أن خطأ الامام يكون في بيت المال لا في ماله والله أعلم. ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك بن نويرة أيام الردة، وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه، واصطفى امرأته أم تميم فقال له عمر بن الخطاب: أعزله فإن في سيفه رهقا فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين وقال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن ابن أبي حدرد الأسلمي قال: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد، فقال فتى من بني جذيمة، وهو في سني، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: يا فتى، قلت: ما تشاء؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هذه النسوة، حتى أقضي إليهن حاجة ثم تردني بعد، فتصنعوا ما بدا لكم؟ قال: قلت: والله ليسير ما طلبت، فأخذت برمته فقدته بها، حتى وقفته عليهن فقال: اسلمي حبيش على نفد [من] العيش:
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق (1) ألم يك أهلا أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق (2) فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن يشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق (3) قالت: وأنت فحييت عشرا وتسعا وترا وثمانية تترى. قال: ثم انصرفت به فضربت عنقه. قال ابن إسحاق: فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي، عن أشياخ منهم، عمن كان حضرها منهم، قالوا: فقامت إليه حين ضربت عنقه فأكبت عليه، فما زالت تقبله حتى ماتت عنده (4). وروى الحافظ البيهقي: من طريق الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، أنه سمع رجلا من مزينة يقال له ابن عصام (5) عن أبيه قال: كان رسول الله .