شئت فاقعد فقال: ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه. قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. قال ابن إسحاق: حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس، وقال أطاعهم وعصاني ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي والد جابر بن عبد الله فقال: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه صلى الله عليه وسلم. قلت: وهؤلاء القوم هم المرادون بقوله تعالى (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) [آل عمران: 167] يعني انهم كاذبون في قولهم: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وذلك لان وقوع القتال أمره ظاهر بين واضح لا خفاء ولا شك فيه وهم الذين أنزل الله فيهم (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) الآية [النساء: 88] وذلك أن طائفة قالت نقاتلهم وقال آخرون لا نقاتلهم كما ثبت وبين في الصحيح. وذكر الزهري أن الأنصار استأذنوا حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة فقال لا حاجة لنا فيهم. وذكر عروة بن موسى بن عقبة أن بني سلمة وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي وأصحابه همتا أن تفشلا فثبتهما الله تعالى، ولهذا قال: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) [آل عمران: 122] قال جابر بن عبد الله: ما أحب أنها لم تنزل والله يقول: (والله وليهما) كما ثبت في الصحيحين عنه (1). قال ابن إسحاق: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب السيف شم سيفك أي أغمده فإني أرى السيوف ستسل اليوم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من رجل يخرج بنا على القوم من كثب (أي من قريب) من طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل في حائطي. قال ابن إسحاق: وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من التراب في يده ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر،
(١٦)