القشيري فقال من هذا الرجل أراه عندكم أنكره؟ قالوا محمد بن عبد الله القرشي قال فما لكم وله؟ قالوا زعم لنا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلغ رسالة ربه. قال ماذا رددتم عليه؟ قالوا بالترحيب والسعة، نخرجك إلى بلادنا ونمنعك ما نمنع به أنفسنا. قال بيحرة: ما أعلم أحدا من أهل هذه السوق يرجع بشئ أشد من شئ ترجعون به بدأتم (1) ثم لتنابذوا الناس وترميكم العرب عن قوس واحدة، قومه أعلم به لو آنسوا منه خيرا لكانوا أسعد الناس به، أتعمدون إلى زهيق قد طرده قومه وكذبوه فتؤوونه وتنصرونه؟ فبئس الرأي رأيتم. ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قم فالحق بقومك، فوالله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك. قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناقته فركبها، فغمز الخبيث بيحرة شاكلتها فقمصت برسول الله صلى الله عليه وسلم فألقته.
وعند بني عامر يومئذ ضباعة ابنة عامر بن قرط، كانت من النسوة اللاتي أسلمن مع رسول الله بمكة جاءت زائرة إلى بني عمها، فقالت يا آل عامر - ولا عامر لي - أيصنع هذا برسول الله بين أظهركم لا يمنعه أحد منكم؟ فقام ثلاثة من بني عمها إلى بيحرة واثنين أعاناه، فأخذ كل رجل منهم رجلا فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره ثم علوا وجوههم لطما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم بارك على هؤلاء والعن هؤلاء " قال فأسلم الثلاثة الذين نصروه وقتلوا شهداء وهم: غطيف (2) وغطفان ابنا سهل، وعروة - أو عذرة - بن عبد الله بن سلمة رضي الله عنهم. وقد روى هذا الحديث بتمامه الحافظ سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه عن أبيه به. وهلك الآخرون وهم: بيحرة بن فراس، وحزن بن عبد الله بن سلمة بن قشير، ومعاوية بن عبادة أحد بني عقيل لعنهم الله لعنا كثيرا. وهذا أثر غريب كتبناه لغرابته والله أعلم.
وقد روى أبو نعيم له شاهدا من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة عامر بن صعصعة وقبيح ردهم عليه. وأغرب من ذلك وأطول ما رواه أبو نعيم والحاكم والبيهقي - والسياق لأبي نعيم رحمهم الله - من حديث أبان بن عبد الله البجلي (3)، عن أبان بن تغلب (4)، عن عكرمة عن ابن عباس [قال]: حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله رسوله [ص] أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فسلم، وكان أبو بكر مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة، فقال: ممن القوم؟ قالوا من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم أمن هامها أم من لهازمها؟