ودعوى ما لا دليل عليه وهي سبعة. القمر في سماء الدنيا وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة. وبقية الكواكب يسمونها الثوابت وهي عندهم في الفلك الثامن وهو الكرسي في اصطلاح كثير من المتأخرين. وقال آخرون بل الكواكب كلها في السماء الدنيا ولا مانع من كون بعضها فوق بعض * وقد يستدل على هذا بقوله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) (1) وبقوله [تعالى]: (فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) [فصلت: 12] فخص سماء الدنيا من بينهن بزينة الكواكب فإن دل هذا على كونها مرصعة فيها فذاك وإلا فلا مانع مما قاله الآخرون والله أعلم.
وعندهم أن الأفلاك السبعة بل الثمانية تدور بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات تدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق. فالقمر يقطع فلكه في شهر والشمس تقطع فلكها وهو الرابع في سنة. فإذا كان السيران ليس بينهما تفاوت وحركاتهما متقاربة كان قدر السماء الرابعة بقدر السماء الدنيا ثنتي عشرة مرة وزحل يقطع فلكه وهو السابع في ثلاثين سنة فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلاثمائة وستين مرة * وقد تكلموا على مقادير أجرام هذه الكواكب وسيرها وحركاتها وتوسعوا في هذه الأشياء حتى تعدوا إلى علم الاحكام وما يترتب على ذلك من الحوادث الأرضية ومما لا علم لكثير منهم به. وقد كان اليونانيون الذين كانوا يسكنون الشام قبل زمن المسيح عليه السلام بدهور لهم في هذا كلام كثير يطول بسطه، وهم الذين بنوا مدينة دمشق وجعلوا لها أبوابا سبعة وجعلوا على رأس كل باب هيكلا على صفة الكواكب السبعة، يعبدون كل واحد في هيكله، ويدعونه بدعاء يأثره عنهم غير واحد من أهل التواريخ وغيرهم. وذكره صاحب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم وغيره من علماء الحرنانيين (2) (فلاسفة حران في قديم الزمان). وقد كانوا مشركين يعبدون الكواكب السبعة وهم طائفة من الصابئين * ولهذا قال الله تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) [فصلت: 37] وقال تعالى إخبارا عن الهدهد أنه قال لسليمان عليه السلام مخبرا عن بلقيس وجنودها ملكة سبأ في اليمن وما والاها (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون. الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [النمل: 23] وقال تعالى