وقال يوما لأصحابه: إن هذا الملك أفضى إلي وأنا حنيك السن قد حلبت هذا الدهر أشطره، وزاحمت المشاة في الأسواق، وشاهدتهم في المواسم، وغازيتهم في المغازي، فوالله ما أحب أن أزداد بهم خبرا، على أني أحب أن أعلم ما أحدثوا بعدي منذ تواريت عنهم بهذه الجدارات، وتشاغلت عنهم بأمورهم، مع أني والله ما لمت نفسي أن أكون قد أذكيت العيون عليهم، حتى أتتني أخبارهم، وهم في منازلهم.
وحدثني بعض أشياخنا قال: إن أبا جعفر يوما ليخطب ويذكر الله إذ قام إليه رجل فقال: أذكرك من تذكر، يا أمير المؤمنين، به. فقال: سمعا! سمعا لمن قبل عن الله، وذكر به، وأعوذ بالله أن تأخذني العزة بالإثم لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين، وأنت أيها القائل ما الله أردت بها، وإنما أردت أن يقال: قام وقال، وعوقب فصبر، وأهون بقائلها لو هممت فاهتبلها، ويلك، إذ غفرت، وإياك وإياكم أيها الناس وأختها، فإن الحكمة علينا نزلت، ومن عندنا فصلت، وردوا الامر إلى أهله تصدروه كما أوردوه.
ثم عاد إلى الموضع من الخطبة.
وحج أبو جعفر في خلافته خمس حجج سنة 140 و 144 و 147 و 152 و 158، فلم يتم الحج، وهلك في أول العشر، فأقام الحج إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي.
وقال أبو جعفر لما حضرته الوفاة لمواليه: إني كنت رأيت في المنام، قبل أن يفضي هذا الامر إلينا، كأنا في المسجد الحرام، إذ خرج النبي من البيت، ومعه لواء، فقال: أين عبد الله؟ فقمت أنا وأخي وعمي، فسبقنا أخي، يعني أبا العباس، فأخذ اللواء، فخطا به خطوات أحصيها وأعدها، ثم سقط وسقط اللواء من يده، فأخذه رسول الله، ثم رجع إلى موضعه، فقال: أين عبد الله؟ فقمت أنا وعمي، فزحمت عمي، فألقيته، وتقدمت، فأخذت اللواء، فخطوت به خطوات أحصيها وأعدها، ثم سقطت وسقط اللواء