أو يتزحزحوا عن مراتب الأئمة والحق، انهم أوردوا ما سمعوه كما وعوه، وإنما يسمى كذابا، إذا وضع حديثا، أو حدث عمن لم يسمع منه، أو روى عمن لم يرو عنه، فأما من يروي ما سمع كما سمع، فهو من الصادقين، والعهدة على من رواه عنه، إلا أن يكون من أهل الاجتهاد فله أن يرويه ثم يزيغه، ولولا ذلك لبطل كثير من الأحاديث، وعلينا الاقتداء بهم، والتمسك بحبلهم. والذي لا يرده ذو مسكة، ولا يرد خلافه ذو حنكة، ان المتعنت تعبان متعب، والمنصف مستريح مريح، ومن ذا الذي أعطي العصمة، وأحاط علما بكل كلمة؟ ومن طلب علما وجد، فإنني أهل لان أزل، وعن درك الصواب بعد الاجتهاد أضل، فمن أراد منا العصمة، فليطلبها لنفسه أولا، فإن أخطأته فقد أقام عذره وأصاب، وإن زعم أنه أدركها فليس من أهل الخطاب، ولما تطاولت في جمع هذا الكتاب الأعوام، وتراد فت في تحصيل فوائده الشهور والأيام، ولم أنته منه إلى غاية أرضاها، وأقف على غلوة مع تواتر الرشق فأقول: هي إياها، ورأيت تعثر قمر ليل الشباب بأذيال كسوف شمس المشيب وانهزامه، وولوج ربيع العمر على قيظ انقضائه بأمارات الهرام وانهدامه، وقفت ههنا راجيا فيه نيل الأمنية، بإهداء عروسه إلى الخطاب قبل المنية، وخشيت بغتة الموت، فبادرت بإبرازه الفوت، على أنني من اقتحام ليل المنية علي قبل تبلج فجره على الآفاق لجد حذر، ومن فلول حد الحرص لعدم المحرض عليه والراغب فيه منتظر، فكيف ثقتي بجيش عمر قد بيتته من كتائب الأمراض المبهمة حواطم المقانب، أو أركن إلى إصباح ليل اعترضتني فيه العوارض من كل جانب.
وعلى ذلك فإنني أقول ولا أحتشم، وأدعو إلى النزال كل علم في العلم ولا أنهزم، إن كتابي هذا أوحد في بابه، مؤمر على أضرابه، لا يقوم بإبراز مثله إلا من أيد بالتوفيق، وركب في طلب فوائده كل طريق، فغار تارة وأنجد، وطوح لاجله بنفسه فأبعد، وتفرغ له في عصر الشبيبة وحرارته، وساعده العمر بامتداده وكفايته، وظهرت منه أمارات الحرص وحركته.
نعم، وإن كنت أستصغر هذه الغاية فهي كبيرة، أو استقلها فهي لعمر الله كثيرة، وأما الاستيعاب فشئ لا يفي به طول الأعمار، ويحول دونه مانعا العجز والبوار، فقطعته والعين طامحة، والهمة إلى طلب الازدياد جامحة، ولو وثقت بمساعدة العمر وامتداده، وركنت إلى توفيقي لرجائي فيه واستعداده، لضاعفت حجمه أضعافا، وزدت في فوائده مئين بل آلافا، ولو التمست نفاق هذا الكتاب وسيرورته، واعتمدت إشاعة ذكره وشهرته، لصغرته بقدر الهمم العصرية، ورغبات أهل الطلب الدنية، ولكني انقدت فيه لنهمتي، وجرني رسن الحرص إلى بعض بواعث همتي، وسألت الله، عز وجل، أن لا يحرمنا ثواب التعب فيه، ولا يكلنا إلى نفسنا فيما نحاوله وننويه، وجائزتي على ما أوضعت إليه ركاب خاطري، وأسهرت في تحصيله بدني وناظري، دعاء المستفيدين، وذكر زكي من المؤمنين، بأن أحشر في زمرة الصالحين.
ولقد التمس مني الطلاب اختصار هذا الكتاب مرارا، فأبيت ولم أجد لي على قصر هممهم أولياء ولا أنصارا، فما انقدت لهم ولا ارعويت، ولي على ناقل هذا الكتاب والمستفيد منه أن لا يضيع نصبي،