للآخر. وما أحسن ما قال أبو عثمان: ليس على العلم أضر من قولهم: لم يترك الأول للآخر شيئا، فإنه يفتر الهمة، ويضعف المنة، أو نحو هذا القول.
على أنه قد صنف المتقدمون في أسماء الأماكن كتبا وبهم اقتدينا، وبهم اهتدينا، وهي صنفان:
منها ما قصد بتصنيفه ذكر المدن المعمورة والبلدان المسكونة المشهورة، ومنها ما قصد به ذكر البوادي والقفار، واقتصر على منازل العرب الواردة في أخبارهم والاشعار.
فأما من قصد ذكر العمران، فجماعة وافرة، منهم من القدماء والفلاسفة والحكماء: أفلاطن، وفيثاغورس، وبطليموس، وغيرهم كثير من هذه الطبقة، وسموا كتبهم في ذلك جغرافيا، سمعت من يقوله بالغين المعجمة والمهملة، ومعناه: صورة الأرض. وقد وقفت لهم منها على تصانيف عدة جهلت أكثر الأماكن التي ذكرت فيها، وأبهم علينا أمرها، وعدمت لتطاول الزمان، فلا تعرف.
وطبقة أخرى اسلاميون سلكوا قريبا من طريقة أولئك من ذكر البلاد والممالك، وعينوا مسافة الطرق والمسالك، وهم: ابن خرداذبه، وأحمد بن واضح، والجيهاني وابن الفقيه، وأبو زيد البلخي وأبو إسحاق الإصطخري، وابن حوقل، وأبو عبد الله البشاري، والحسن بن محمد المهلبي، وابن أبي عون البغدادي، وأبو عبيد البكري، له كتاب سماه المسالك والممالك.
وأما الذين قصدوا ذكر الأماكن العربية والمنازل البدوية فطبقة أهل الأدب، وهم أبو سعيد الأصمعي، ظفرت به رواية لابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه، وأبو عبيد السكوني، والحسن بن أحمد الهمداني، له كتاب جزيرة العرب، وأبو الأشعث الكندي في جبال تهامة، وأبو سعيد السيرافي، بلغني أن له كتابا في جزيرة العرب، وأبو محمد الأسود الغندجاني، له كتاب في مياه العرب، وأبو زياد الكلابي، ذكر في نوادره من ذلك صدرا صالحا وقفت على أكثره، ومحمد بن إدريس بن أبي حفصة، وقفت له على كتاب سماه مناهل العرب، وهشام بن محمد الكلبي، وقفت له على كتاب سماه اشتقاق البلدان، وأبو القاسم الزمخشري، له كتاب لطيف في ذلك، وأبو الحسن العمراني تلميذ الزمخشري، وقف على كتاب شيخه وزاد عليه رأيته، وأبو عبيد البكري الأندلسي، له كتاب سماه معجم ما استعجم من أسماء البقاع لم أره بعد البحث عنه والتطلب له، وأبو بكر محمد بن موسى الحازمي، له كتاب ما ائتلف واختلف من أسمائها، ثم وقفني صديقنا الحافظ الإمام أبو عبد الله محمد ابن محمود بن النجار، جزاه الله خيرا، على مختصر اختصره الحافظ أبو موسى محمد بن عمر الأصفهاني، من كتاب ألفة أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري النحوي، فيما ائتلف واختلف من أسماء البقاع، فوجدته تأليف رجل ضابط قد أنفد في تحصيله عمرا وأحسن فيه عينا وأثرا، ووجدت الحازمي، رحمه الله، قد اختلسه وادعاه، واستجهل الرواة فرواه، ولقد كنت عند وقوفي على كتابه أرفع قدره من علمه، وأرى أن مرماه يقصر عن سهمه، إلى أن كشف الله عن خبيته، وتمحض المحض عن زبدته، فأما أنا فكل ما نقلته من كتاب نصر، فقد نسبته إليه وأحلته عليه، ولم أضع نصبه، ولا أخملت ذكره وتعبه. والله يثيبه ويرحمه.