وقال أيضا: كان يدي في يد زهير أمشي معه فانتهينا إلى رجل مكفوف يقرأ، فلما سمع قراءته وقف ونظر وقال: لا تغرنك قراءته، والله والله إنه شر من الغناء وضرب العود، وكان مهيبا فلم أسأله يومئذ، فلما أن كان بعد أيام ارتفع إلى بني قشير فقمت وسلمت عليه فقلت:
يا أبا عبد الرحمان إنك قلت لي يوم كذا وكذا فكان نصب عينيه فقال لي:
يا أخي نعم، لان يطلب الرجل هذه الدنيا بالزمر والغناء والعود خير من أن يطلبها بالدين.
وقال سلمة بن شبيب، عن سهل بن عاصم: قلت لزهير بن نعيم يا أبا عبد الرحمان ألك حاجة؟ قال: نعم. قلت: وما هي؟ قال: تتقي الله فوالله لان تتقي الله أحب إلي من أن يصير الحائط ذهبا.
قال سهل: وحدثنا عبد الله بن عبد الغفار الكرماني، قال: صعدت إلى زهير بن نعيم، وقد سقط من سطحه، وذلك بعدما ذهب بصره، وهو متهشم الوجه بحال شديد، فقلت له: يا أبا عبد الرحمان كيف حالك؟ قال: على ما ترى وما يسرني أنه باشر هذا الخلق وهي الدنيا فلتصنع ما شاءت.
قال سهل: وسمعت عنشط بن زياد يقول: سمعت زهير بن نعيم يقول: جالست الناس منذ خمسين سنة فما رأيت أحدا إلا وهو يتبع الهوى حتى إنه ليخطئ فيحب أن الناس قد أخطأوا، ولان أسمع في جلدي صوت ضرب أحب إلي من أن يقال لي أخطأ فلان.
قال سهل: وسمعت زهيرا يقول: وددت أن جسدي قرض بالمقاريض، وأن هذا الخلق أطاعوا الله (1).