باخبارهم، فأسقط في يده ساعة، ثم راجعته نفسه، فقال: اسمع مني وصدق مقالتي، فوالله لا كذبت، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشئ من أمره، حتى جاءني يسألني النزول، فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام، فضيفته وآويته، وقد كان من أمره ما بلغت، فإن شئت أن أعطيك - الآن - موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوء ولا غائلة ولآتينك حتى أضع يدي في يدك، وإن شئت أعطيك رهينة تكون في يدك حتى آتيك، وانطلق إليه، فأمره أن يخرج من داري حيث شاء من الأرض فاخرج من ذمامه وجواره، فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني - أبدا - حتى تأتيني به، قال: لا والله، لا أجيئك به - أبدا - أجيئك بضيفي تقتله؟ قال والله لتأتيني به، قال: والله لا آتيك به. فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي - وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره - فقال: أصلح الله الأمير، خلني وإياه حتى أكلمه، فخلا به ناحية من ابن زياد - وهما منه بحيث يراهما، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان - فقال مسلم: يا هاني، أنشدك بالله أن تقتل نفسك، وأن تدخل البلاء في عشرتك، فوالله إني لأنفس بك عن القتل، إن هذا ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضاريه، فادفعه إليهم فإنه ليس عليك في ذلك مخزاة ولا منقصة، إنما تدفعه إلى السلطان، فقال: هاني والله إن علي في ذلك الخزي والعار إن أدفع جاري وضيفي، وأنا حي صحيح أسمع وأرى شديد الساعد كثير الأعوان، والله لو لم أكن إلا وحدي، وليس لي ناصر، لم أدفعه حتى أموت دونه، فاخذ يناشده، وهو يقول: والله لا أدفعه إليه أبدا. فسمع ابن زياد - لعنه الله - ذلك، فقال: ادنوه مني، فقال:
لتأتيني به أو لأضربن عنقك، فقال: إذا تكثر البارقة حول دارك، فقال ابن زياد - لعنه الله -: والهفاه عليك أبا البارقة تخوفني؟ - وهو يظن أن