توضيح محتملات الحديث الأول: ان يراد من الكل في الجملتين المجموع، لكنه احتمال بدئي لا يلائم مع مرمي الحديث، فان درك المجموع بدرك جميع اجزائه وعدم دركه يحصل بعدم درك بعض اجزائه، كما أن ترك المجموع بترك بعض منه، وعدم تركه هو الاتيان به بماله من الاجزاء عامة، ولو أريد من الكل، المجموع في الموضعين يصير المعنى، ما لا يدرك جميع اجزائه لا يترك جميع اجزائه وهو ظاهر الفساد.
الثاني: ان يراد من الكل فيهما كل جزء منه فيصير المعنى ما لا يدرك كله لا يترك كل جزء منه، فهو صحيح وان لم يكن الحديث متعينا فيه (وجه الصحة) ان مقابل درك كل جزء، هو عدم دركه وهو يحصل بدرك البعض أيضا، كما أن مقابل ترك كل جزء عدم ترك كل جزء الذي يحصل بعدم ترك البعض، فيصير مفاد الحديث، ما لا يدرك كل جزء منه لا يترك كل جزئه، ويفهم منه لزوم الاتيان بالبقية والحاصل: انه فرق بين الاحتمالين، فلو قلنا: لا يترك مجموعه يصير المعنى انه يجب اتيان جميع اجزائه لان ترك المجموع بترك البعض، والاتيان به باتيان جميع اجزائه، وهذا بخلاف الاحتمال الثاني فلو قلنا: إنه لا يترك كل جزء منه، فالنهي يدل على حرمة ترك كل جزء منه على نحو سلب العموم وهو يحصل بالاتيان بالبعض وما افاده الشيخ الأعظم: من أن لفظ الكل مجموعي لا افرادي إذ لو حمل على الافرادي كان المراد ما لا يدرك شئ منه لا يترك شئ منه ضعيف، فان الكل إذا ورد عليه النفي انما هو يفيد سلب العموم، لا عموم السلب وما ذكره من المعنى مبنى على الثاني دون الأول، وان شئت فلاحظ قولنا: ليس كل انسان في الدار، تجد بينه وبين قولنا ليس واحد منه فيها، فان الثاني يفيد عموم السلب دون الأول وقد عرف المنطقيون بان نقيض السالبة الكلية، هو الموجبة الجزئية فنقيض قولنا: كل انسان حيوان هو ليس كل انسان حيوان، وهو يتوقف على كون بعض الانسان ليس بحيوان، لاكل فرد منه.