تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني ، للسبحاني - ج ٣ - الصفحة ١٧١
منها: الارجاعات الابتدائية مثل قوله (ع) لابان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة وافت الناس الخ، ومثل قوله في التوقيع الرفيع: واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، وما كتبه الامام إلي قثم بن عباس، وما ورد في تفسير آية النفر إلى غير ذلك فان القوم رضي الله عنهم وان استدلوا بها علي حجية قول الثقة، الا ان الاستدلال بها على حجية فتوى المفتى أظهر، فان هؤلاء الأعاظم كانوا في الرعيل الأول من فقهاء عصرهم، وكانوا يناظرون العامة في فقههم وعقائدهم، ويستفرغون الوسع في فهم كتاب الله وسنة نبيه ومعاني اخبار أئمتهم، حسب ما رزقهم الله من الفهم والاجتهاد.
هذا ما بذلنا جهدنا في قلع الشبهة الا في النفس منه شئ، وهو ان هذه النصوص وإن كانت تعطينا وجود أصل الاجتهاد في الاعصار ووجود الفقهاء في الأمصار، الا ان الاختلاف الذي نشاهده بين فقهائنا بحيث صارت المسائل النظرية الاتفاقية في هذه الاعصار قليلة جدا، لم يكن بين فقهاء تلك الاعصار الماضية فارجاع العوام إلى هؤلاء المتفقون في الرأي غالبا، لا يستلزم جواز الرجوع إلى غيرهم الذين قلما يحصل بينهم الاتفاق، فعندئذ لا مناص في الجواب عن التمسك بالوجه الثاني كما سنوضحه.
الثاني: لو سلمنا ما ادعاه القائل لكن نقول: إن النبي الأكرم والأئمة من بعده عارفون بحال أمته، وما يجرى عليهم في مختلف الزمان ومرور الدهور، من غيبة ولى الدين، وامامه، وحرمان الأمة عن الوصول إليه، وان الأمة بمقتضى ارتكازهم من لزوم رجوع الجاهل إلى عالمه، سوف يرجعون إلى علمائهم، الذين لا محيص لهم من الرجوع إلى اخبارهم وآثارهم التي دونها أربابها، باذلين جهدهم، مستفرغين بالهم في استنباط الحكم: فلو لم يكن هذه السيرة مرضية لكان عليهم الردع، ومنع الأمم الجائية عن التطرق بهذا الطريق وارجاعهم إلى طريق آخر وقد أخبروا (ع) عن كثير من الأمور التي لم يكن يوم ذاك عنها عين ولا اثر وكيف وقد امروا أصحابهم بضبط الأحاديث والأصول معللين بأنه سيأتي زمان هرج ومرج، ويحتاج الناس بكتبكم، كل ذلك يرشدنا إلي كون السيرة مطلقا ماضية بلا اشكال.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست